أعطتني روحها ثمنا لروحي .. بقلم : عصام زايد
عندما يذكر العطاء في الحياة الزوجية نستحضر الهدية أي كان شكلها من وردة إلي بيت في الساحل الشمالي وأحيانا يكون معناه لصيق بتضحية أحد أطراف العلاقة لصالح مجموع العائلة .. تضحية بلا مقابل .. بل إنها كثيرا ما تجسد نموذج الشمعة التي تحترق من أجل إضاءة حياة الآخريين.
تكاد تكون تلك الصور الذهنية هي المهيمنة على المشهد .. العطاء الأبوي وعطاء الأمومة .. فناء الزوجة في مهامها وتضحية الزوج من أجل أسرته .. تلك صور من العطاء مجدتها الدراما في كل صورها نظم حولها الشعر وخلدت من خلاله شخصيات.
اليوم سمعت معني جديدا للعطاء أذهلني وأعجبني وتمنيت أن يرزقني الله فعله
نلتقي كمجموعة من الأصدقاء بين الحين والآخر في إحدي مقاهي الثغر وفي العادة يكون بيننا موضوع للنقاش لا يختار ولكن تفرضه أحداث ذات شأن عام أو خاص واليوم هو عيد الحب لا نحتفل به ولكنه كان طريقا لنتحدث عن العلاقات الزوجية تطرق الحديث كالمعتاد عن المشاكل وتغير القلوب وخمود الحرارة ونسيان قواعد اللياقة، وهل الحب قبل الزواج أجدي أم الزواج التقليدي وهو ما يطلق عليه حاليا زواج الصالونات .. جدل ورفع أيدي بالإعتراض وسخرية من قول هنا وهناك ولكنه جو به مشاعر وصراعات داخلية وخارجية وأقوال مأثورة وقفشات حديث مقهي يراد به تمضية وقت بلا فائدة أو قيمة مضافة.
وجدتها فرصة أستثمر فيها الوقت وأوقف المهاترات حول موضوع هام يتناول بلا موضوعية .. بنقاش أكثر جدية يعطينا صورا أكثر واقعية وحتي أقوم بتبريد حرارة النقاش ، سألت أصدقائي دعونا من الشكوي والتذمر أو إظهار البطولات الزائفة إلي الإسترخاء قليلا ونبدأ تمرين بسيط نمارسه بجدية فالموضوع أراه شيق وله ظل في حياة كل منا.
فلنأخذ نفساً عميقا ونغمض أعيننا ونسترخي
ثم
نستدعي أجمل اللحظات التي قضيناها مع زوجاتنا
تعالت الصيحات إعتراضا
و منهم من أنكر أن يكون رأي يوما جميلا
و قال البعض إنك تتحدث عن الإستثناء
وخلال هذا الهرج نظرت في وجه أمامي ووجدت نظرة هادئة و إبتسامة مشرقة تنطلق منه فقد بدأ التدريب منفردا فتصايحت فرحا : وجدته و جدته هناك رجل سعيد ،، يارجل تقدم للمنصة وقص علينا هل حقا مررت بلحظات سعيدة ..
إبتسم صديقي و قال : حياتي كلها سعادة
قلت : يارجل لاتبالغ فالمجالس أسرار
ضحك وقال حقيقة حياتي كلها سرور فحياتي مع زوجتي كلها عطاء متبادل
قلت : المرأة تأخذ و لاتعطي
قال : إلا زوجتي علمتني قاعدة مهمة في الحب
قلت : ماهي
قال : قاعدة العطاء المتبادل ما تأخذه أنت هو عطاء منها و ماتقدمه لها هو عطاء منك أي لايوجد من يأخذ كلانا يعطي.
أنصتنا جمعياً من جديته وحماسته في التناول
وبدأ يشرح لنا أن العطاء بينهما في كل شيئ
إن أكلنا
تعطيني آخر قضمة في خبز بيدها
و أعطيها أول ملعقة من طبق الشوربة الذي أمامي
إن تمشينا
كانت أول حبة ترمس هي عطائي لها
و كانت يدها هي عطائها لي
إن جلسنا بين أولادنا
كانت أكتافي هي أول محطة تدلكها
و نظرتي هي أول ما يستقبل قدومها
أول مكالمة هاتفية من العمل أعطيها لها
وأول صوت أسمعه عند إستيقاظي يكون عطائها لي
أعطتني الدفء في صوتها
وأعطيتها الحماية بذراعي
أعطتني الآمان في بيتي
وأعطيتها الثقة في حياتها
أعطتني الرعاية لأولادي
وأعطيتها الإستقرار في عريني
لم أقدم لها يوما هدية ملموسة
وأعطتني كل يوم معني
حتي إنها
أعطتني روحها ثمنا لروحي
إنتهي حديث صديقي و حل الصمت و كأننا نكتشف معني جديد للعطاء
إن كلمة الأخذ تعني زيادة و نقصان
أما العطاء المتبادل فيعني زيادة لأطرافها