الصراط المستقيم

أعظم صفحات نكران الجميل نسيان الموتى

بقلم/ الدكتور محمد النجار 

انقطعت بهم الحياة ، وتقطعت بهم السُبل ، وضاقت بهم القبور ، ونسيهم ابناؤهم وبناتهم الذين أفنوا حياتهم من أجلهم ، واشتاقت أرواحهم الى تذكرة هؤلاء جميعا بعد أن ودعوهم بالبكاء ، وألبسوهم أخشن أنواع الثياب ، وأودعوهم في مقرهم الجديد ، و سكنهم المحدود ، لا طعام ولا شراب ، وانهالوا عليهم بالتراب ، ثم تركوهم للنعيم أو العقاب .
إنهم آباؤنا وأمهاتنا واخواننا وأخواتنا وأعمامنا وعماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا وزملاؤنا واصدقاؤنا وكل أحبابنا .
كانوا معنا بالأمس ،، وأصبحوا اليوم تحت التراب ..
أصبحوا في ضيق اللحود ،، ومراتع الدود ..
لا أنيس ولا جليس ..
فهل من الجميل أن ننساهم وقد كنا ملئ أعينهم ، وارتبطت سعادتنا بوجودهم
أليس من نكران الجميل أن ننساهم .. وقد احتاجوا إلينا بعد الرحيل ؟؟
وإذا نسيناهم .. فهل سيتذكرنا ابناؤنا واحباؤنا بعد رحيلنا ؟؟؟
كل الموتى يُنادون .. لماذا نسيتمونا ؟؟ نرجوكم أن تبرونا ..وَسِّعوا لنا في قبورنا ،،خففوا عنا آلامنا ..
إنه رد الجميل لآبائنا وأمهاتنا وأحبابنا …
ومن رحمة الله بالإنسان أن ترك له بابا مفتوحا في الدنيا تصل اليه منه الرحمات والحسنات بما يخفف له به الذنوب والسيئات.. ويرفع لهم به الدرجات ..
وقد دلنا رسول الله ﷺ على كيفية رد الجميل لأبائنا وأمهاتنا واحبابنا بعد رحيلهم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ((إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملهُ إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))رواه مسلم .
وفي حديث آخر :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علمًا علَّمه ونشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورَّثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته))؛ رواه ابن ماجه .

فمن أوجه الخير التي نرحم بها أبائنا وأمهاتنا :

أولا : آداء إلتزامات وأمانات الوالدين :

1– سداد ديون والديهم من تركتهم قبل توزيعها على الورثة ، أو من أموال الورثة إن لم يكن لوالديهم مال للسداد منه .
2– آداء الأمانات التي لديهم إلى اصحابها.
3– سداد الزكاة المتأخرة لديهم .
4– الصيام عنهم اذا كان عليهم صوم فرض أو دفع فدية عن الصيام .
5– حج بيت الله الحرام “الفرض” إن كان للوالدين قدرة مالية .

ثانيا : الاستغفار والدعاء والصدقات الجارية للوالدين ولنفسه مثل :

1– بناء مدارس أو فصول ، وتهيئتها لاستيعاب مزيد من الطلاب الفقراء وتهيئة فرص تعليمية حقيقية للنهوض العلمي والتكنولوجي بما يرفع من شأن الانسان والوطن .
2– بناء مستشفيات أو مساهمة فيها لعلاج الفقراء والمحتاجين.
3– بناء دور للأيتام والاطفال المشردين بلا مأوى ، أو المساهمة فيها ، وإعالتهم وتربيتهم وتعليمهم ليكونوا أبناء صالحين منتجين وعناصر بناء لا عناصر فوضى وإفساد.
4– كفالة الايتام ورعايتهم الاجتماعية والتعليمية والتربوية .
5– كفالة طلاب العلم الغير قادرين على سداد مصاريف مدارسهم وجامعاتهم
6– إيقافُ ” وَقْفٍ “أو المساهمة فيه بما يعود ريعه للقيام بأعمال صالحة مثل تحفيظ القرآن الكريم ، ونشر العلم الذي تنتفع به الأمة .
7– طباعة كتب مفيدة ترفع المستوى العلمي والفقهي والانساني.
8– شراء مصاحف للمساجد والمدارس والمكتبات العامة .
9– سقاء الماء بإدخال الماء الصالح للشرب لبيوت الفقراء والمساكين
10– حفر آبار أو المساهمة فيها حتى يرتوي الانسان والزرع والحيوان
11– بناء مساجد او المساهمة في بناءها
12– تفريج كروب المسلمين بقضاء ديونهم ، وتوفير حاجاتهم.
13– إطعام الطعام وتأمين الغذاء للمحتاجين اليه
14– وأعمال كثيرة مشابهة يحتاج اليها المجتمع وتبث فيه الأمن والأمان وتقدم الأمة.
إن أبوابَ الصدقة الجارية أبوابٌ كثيرة، وهي مرتبطة بحاجة الناس في دينهم ودنياهم.
وكان صحابة رسول الله ﷺ يحرصون على العمل الذي ينفعهم بعد الموت ، بل كانوا يعملونها لأنفسهم ولموتاهم. فهذا سعد بن عبادة رضي الله عنه الذي تميز وعرف ببره لأمه، أراد أن يوقف وقفاً لها ينال به الأجر عند الله عز وجل، فقال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل – أي أكثر ثواباً-؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الماء)). فحفر سعد رضي الله عنه بئراً، وقال: هذه لأم سعد. تبرع بها لينتفع منها المسلمون.
وهكذا ايها الإخوة والأخوات نحاول رد الجميل لآبائنا وأمهاتنا وأحبابنا ، كما لا ننسى أنفسنا بهذه الصدقات الجارية قبل الرحيل لنضمن استمرار الأجور والحسنات وغفران الذنوب والسيئات ونسعد بها بعد الممات .
فقدِموا لأنفسكم خيراً.. تجدوه عند الله، ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ﴾ [آل عمران: 30].
اللهم ارزقنا الاخلاص والصواب في الفكر والقول والعمل


د.محمد النجار 02-06-2020م الثلاثاء11شوال1441هـ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.