السودانشئون عربية

أمريكا تتجه لفرض عقوبات إضافية على أطراف الصراع في السودان

 

كتبت – د.هيام الإبس

تتجه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض عقوبات إضافية على أطراف الصراع في السودان، بعد فشل الوساطة التي تقودها واشنطن منذ أشهر، بينما اتهم قيادي في حزب المؤتمر، قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بالاعتماد على عناصر جماعة الإخوان في معركته الحالية، رغم إنكاره المتكرر لوجودهم داخل المؤسسة العسكرية.

وتشير التوقعات إلى أن العقوبات الجديدة قد تضاف إلى الإجراءات الحالية التي طالت قيادات عسكرية وشركات مرتبطة بالنزاع، مع احتمال تمديد حظر السلاح على مناطق دارفور.

ويحاول مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسعد بولس، إقناع

الأطراف المتحاربة بقبول هدنة شاملة، لكن المساعي لم تصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن، مع إصرار قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على موقفه الرافض للدخول في حوار مع قوات الدعم السريع.

ويأتي ذلك بينما تستعد النرويج لاحتضان اجتماعات تهدف لصياغة خطوات انتقال سياسي يعيد البلاد إلى الحكم المدني، في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية بأشكال غير مسبوقة.

وقال ترامب الأسبوع الماضي إن الإدارة الأمريكية بدأت العمل على إنهاء النزاع السوداني، بناء على طلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وخلال اجتماع في البيت الأبيض، أشار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى أن ترامب “يمتلك القدرة على جمع الأطراف السودانية على طاولة التفاوض”، فيما وصف دبلوماسي عربي التحرك الأمريكي بأنه يمنح دفعة قوية لمسار السلام.

وذكرت صحيفة الجارديان، أن الأطراف المتصارعة أخطرت بأن العقوبات الأمريكية قد تشمل جهات إضافية إذا استمرت عرقلة الهدنة.

بينما تستعد أوسلو لدعوة ممثلين من المجتمع المدني السوداني وعدد من القوى السياسية لبلورة مبادئ انتقال ديمقراطي.

وبالتزامن مع هذه المساعي يتواصل القتال وسقوط الضحايا المدنيين، فقد حذر المفوض السامي لحقوق الإنسان من عمليات قتل وانتهاكات واسعة في كردفان، حيث وثقت الأمم المتحدة خلال الفترة ما بعد 25 أكتوبر سقوط ما لا يقل عن 269 مدنياً نتيجة القصف والغارات الجوية والإعدامات الميدانية.

واقترحت مجموعة “الرباعية” التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات في سبتمبر الماضي هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر تتبعها عملية سياسية تستمر تسعة أشهر وتنتهي بتسليم السلطة لحكومة مدنية، إلا أن التطبيق واجه عراقيل: الدعم السريع أعلن قبولاً أولياً، لكنه واصل القتال، بينما رفض الجيش المقترح بشدة معتبراً أنه يستهدف تفكيك المؤسسة العسكرية.

ويطرح خبراء احتمال أن يؤدي توجه ترامب لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية إلى إضعاف جانب من نفوذ المؤسسة العسكرية المرتبطة بالحركة، كما تشير تقارير متداولة إلى أن الجيش يبحث تأجير مرفأ بحري لروسيا وإلى منع فرق أممية من فحص ادعاءات استخدام أسلحة محظورة.

وبرزت تصريحات لافتة لنائب رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي بتحالف “صمود”، خالد عمر يوسف، الذي اتهم البرهان بالاعتماد على عناصر جماعة الإخوان في معركته الحالية، رغم إنكاره المتكرر لوجودهم داخل المؤسسة العسكرية.

وقال يوسف، إن البرهان يعتمد على عناصر الإخوان في حربه ضد قوات الدعم السريع، لكنه ينكر وجودهم بسبب إدراكه لحجم الرفض الداخلي والخارجي لهم. وأوضح أن قائد الجيش يسعى للبقاء في الحكم عبر إعادة إنتاج النظام السابق، رغم أن الجماعة سقطت بثورة شعبية في ديسمبر 2018، وهو ما يجعل إنكاره لوجودهم محاولة لتخفيف الضغوط الدولية والإقليمية.

وتابع، أن البرهان يحرص على إنكار حضورهم في كل المحافل، في محاولة لتسويق الجيش كجهاز غير مؤدلج يمكن التعامل معه دولياً، رغم أن الواقع يعكس عكس ذلك.

ويعتبر وجود الإخوان داخل الجيش والحكومة في بورتسودان عامل رئيسي في عرقلة جهود السلام.

حيث تؤكد القوى المدنية أن عناصر التنظيم تعمل على تعطيل الاتفاقيات الدولية والإقليمية، وأن سيطرتهم على وزارات مثل الإعلام والاقتصاد والمالية تساهم في إطالة أمد الحرب وتعقيد أي مسار نحو هدنة إنسانية أو تسوية سياسية.

وهذه المعطيات تجعل من نفوذ الإخوان داخل مؤسسات الدولة أحد أبرز الملفات التي تزيد الأزمة السودانية تعقيداً وتضع المجتمع الدولي أمام تحديات إضافية.

فى السياق ذاته، يعتقد مراقبون سودانيون أن الدعوة إلى عقد لقاء بين القوى المدنية في أسلو، دليل جديد على عزم المجتمع الدولي على كسر الحلقة المفرغة للأزمة السودانية وإجبار طرفي الصراع؛ الجيش وقوات الدعم السريع، على الانخراط في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب.

لكنهم شددوا على أن الأمر يتطلب قبل أي شيء آخر مواجهة القوى التي تعرقل الوصول إلى طاولة المفاوضات، وعلى رأسها جماعة الإخوان.

ورأى المراقبون أن دعوة وزارة الخارجية النرويجية تشير إلى تركيز المجتمع الدولي على ضرورة العودة للمسار المدني الديمقراطي في السودان.

وقال المراقبون إن لقاء أسلو بمثابة التحضيرات اللازمة لتسوية الخلافات والتباينات بين القوى السياسية السودانية، تمهيداً لفترة انتقال مدني متفق عليها.

وخلال زيارة إلى بورتسودان، شدد نائب وزير الخارجية النرويجي أندرياس موتسفيلدت على أنه “بدون وقف إطلاق النار، سيستمر تفكك البلاد، مع عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها”.

من واشنطن إلى أوسلو مروراً بكثير من العواصم العربية والأفريقية، حيث لا حل عسكري للحرب في السودان، ولا بديل للحكم المدني.

وقال المحلل السياسي السوداني النجمي عثمان، إنه “يجب أن يقدم المجتمع الدولي إظهار إرادة إنهاء الأزمة في السودان عبر تشديد العقوبات على قادة الجيش والحركة الإسلامية في البلاد، من دون هذه الخطوة ستحاول حكومة بورتسودان، التي تسيرها عملياً جماعة الإخوان، التنصل من أي التزام”.

وأوضح عثمان أنه “في كل المنابر السابقة وفي كل المبادرات التي طُرحت من قبل، كانت قيادة الجيش السوداني تفسد أي مسعى للحل وتُعرقل الجهود المبذولة فيها”، وأشار إلى أن قيادة الجيش السوداني مرتبطة بشكل عضوي بتنظيم الإخوان الذي أشعل الحرب في البلاد من أجل أوهام العودة إلى السلطة، ولـه مصلحة في استمرار الصراع.

ويرتب عثمان على ذلك تقديره بأن التنظيم الإخواني لن يتورع عن عرقلة الجهود الدولية والإقليمية لقطع الطريق أمام الانتقال المدني الديمقراطي، لذلك يجب مواجهته دولياً عبر تصنيفه تنظيماً إرهابياً وتجفيف منابع تمويله.

من جهته، يرى المحلل السياسي والكاتب الصحفي في السودان، كمبال عبدالواحد، أن النرويج تمتلك خبرات كبيرة في التعامل مع القضايا السياسية في السودان، منذ عملها ضمن منظومة دول “الترويكا” والتي كانت بمثابة آلية دولية حاضرة بقوة خلال الحقبة الماضية من الأحداث في السودان قبل اندلاع الحرب.

وقال  إن “النرويج من دول الترويكا والتي كانت جزءاً أصيلاً من العملية السياسية الأولى التي انطلقت عقب انقلاب أكتوبر 2021 الذي قاده البرهان لقطع الطريق أمام الانتقال المدني”.

وأوضح أن جهود الترويكا لأجل عودة السودان للمسار المدني الديمقراطي وإنهاء الانقلاب اصطدمت بتعنت قيادة الجيش السوداني ورفضها لأي حلول رغم كل الضغوط المحلية والإقليمية والدولية.

وأشار إلى أن كل التجربة السابقة تجعل النرويج قادرة على الدخول لتسوية الخلافات والتباينات بين القوى السياسية المدنية، وهي تمتلك رصيداً معرفياً جيداً بواقع الصراع العسكري–المدني في السودان.

وشدد عبدالواحد على أن استعادة المسار المدني في السودان لن يتحقق إلا عبر وقف الحرب والالتزام بخارطة الطريق التي أعلنتها دول الرباعية كأساس لعملية الانتقال السياسي في السودان.

وفيما يتعلق بحجم التباينات والخلافات بين القوى السياسية المدنية في السودان، وكيف يؤثر ذلك في عدم نجاح المشاورات التي سوف تنعقد في أوسلو،  رأى عبدالواحد أن اتجاه العالم لتصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي سوف يساهم في تقريب وجهات النظر بين الطيف المدني السوداني المتعدد، مشيراً إلى أن كل الخلافات القديمة بين الفرقاء السودانيين كانت تدور حول ضرورة عدم إشراك حزب المؤتمر الوطني – الذراع السياسي للتنظيم الإخواني في السودان – في أي معادلة سياسية من بعد الثورة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى