بقلم : رئيس التحرير
” هي فين مصلحة المواطن .. هو فيه مواطنين غيرنا عايشين في بلدنا .. دي حاجة تجنن “، صرخ بهذه الكلمات الساخطة أحد المواطنين تعليقا على تصريحات الوزراء والمتحدثين بأسمائهم والتي يزعمون فيها أن رفع الأسعار من مصلحة المواطن.
قلت مرارا وتكرارا أن غالبية الوزراء وكبار المسئولين بالحكومات المصرية ينقصهم الوعي السياسي ولا يفقهون شيئا عن الواقع الذي يعيشه المواطن ، فمجرد أن يجلس المسئول على الكرسي يصاب بفيروس العزلة ويزيد من عزلته جوقة المنافقين الذين يسارعون في الإلتاف حوله ويحددون دائرة ضيقه لتحركاته واستقبالاته ليس للفقراء نصيب منها . وهناك الاف المواقف التي تشهد على صحة ما نقول ، فهل من مصلحة المواطن المصري البسيط الذي يشكل 95 % من تعداد الشعب أن ترتفع إسطوانة البوتاجاز من 7 إلى 30 جنيها خلال عام واحد بنسبة زيادة أكثر من 400 % ، رغم أن الاحصائيات الرسمية تؤكد أن مستهلكي الإسطوانات هم الفقراء . وتكشف إحصائيات وزارة التموين أن المحافظات الأكثر فقرا توجد بها أعلى نسب استهلاك إسطوانات الغاز ، ففي أسيوط حيث نسبة الفقر 66 % فان نسبة استهلاك الإسطوانات تبلغ 33 %، بمقارنة بالقاهرة حيث نسبة الفقر 20 % فان نسبة إستهلاك الإسطوانات تصل 17 %.
ويدخل في هذا الإطار تصريح رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نشرته وسائل الإعلام منذ عدة أشهر وبالتحديد في اكتوبر الماضي يقول فيه : ” أن خط الفقر المادي الذي يتضمن المأكل والملبس والمواصلات ، ويبلغ ٤٨٢ جنيهًا شهريًا، يمكن من خلاله الفرد أن يحقق أدنى مستويات المعيشة” . ويبدو أن المسئولين بالجهاز لا يدرون شيئا عن الاسعار ويعدون تقاريرهم وهم جالسون على مقاعدهم المكيفة، ففي ضوء الاسعار الحالية لا يكفي هذا المبلغ تكلفة اطعام مواطن لمدة شهر بمعدل وجبتين يوميا خالية من اللحوم . بل ان احصائيات الجهاز تناقض نفسها ففي نفس الخبر الذي تداولته وسائل الإعلام يقول رئيس الجهاز :” أن المواطن المصري يحتاج ٣٢٢ جنيهًا شهريًا على الأقل لتوفير الغذاء لنفسه للبقاء على قيد الحياة” فكيف للمواطن أن يلبس ويسكن ويركب مواصلات بباقي المبلغ وهو 160 شهريا.
وتضيع مصلحة المواطن في التضارب بين قرارات الوزارات والأجهزة والمؤسسات الحكومية ،فضوابط وزارة التموين المعلن عنها منذ يومين فقط تحدد دخل الاسرة المكونة من 4 افراد والتي تستحق الدعم بأقل من 1500 جنيه أي اي 375 جنيها للفرد وهي اقل من خط الفقر الذي حدده الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء .
وعلاج قضية الجهل بمصلحة المواطن يستلزم إخضاع الوزراء وكل المسئولين كبارا وصغارا لدورات في التربية السياسية ،وهذا ليس عيبا ولا ينقص من قدرهم أو احترامهم ، فالتأهيل السياسي للوزراء وكبار المسئولين ونواب البرلمان نظام متبع في غالبية الدول المتحضرة. وله اصل في الشرع الإسلامي ففي كتاب (الذريعة إلى مكارم الشريعة) يقول الأصفهاني:” السياسة ضربان: سياسة الإنسان نفسه وبدنه وما يختص به. والثاني: سياسة غيره من ذويه وأهل بلده، ولا يصلح لسياسة غيره من لا يصلح لسياسة نفسه”.