أنعى رجل لا أعرفه..
بقلم / حمدي محروس
لم أكن أعرفه من قبل.. ولاشئ يربطنى به غير أنه لفت إنتباهي منذ الوهلة الأولى الذى رأيته فيها جالسا وسط مجموعة من الأصدقاء اعتادت اللقاءكل صباح فى المقهى المجاور لمنزلي .
لفت انتباهي هدوئه وهم يتناولون افطارهم( كورواسو ، وباتيه) ويحتسون القهوة (والكابتشينو ) وسط ثرثرة تتكرر كل يوم حول نفس الموضوعات فى السياسة والحياة ومطربات الفيدو كليب.. بينما الرجل كان يجلس دائمآ على نفس المقعد فى عينيه ابتسامة هادئة وفى يده سبحة صغيرة يستمع معظم الوقت للحوار الدائر بين الأصدقاء ولا يتحدث إلا بتعليقا قصيرا بليغا.
كان أنيقا فى غير تكلف كان ، تبدو على وجهه براءة طفل رغم أعوام عمره التى تزيد على الستين كان مثل كثيرين من شلة المقهى قد أحيل إلى المعاش قبل سنوات.
لكن ما يؤلمه أن الأهل وألاولاد والناس من حوله قد أحالوه إلى المعاش قبل الشركة التى كان يعمل بها.. حكى لى ذات صباح ولم يكن أفراد الشلة قد حضروا بعد.. كيف أصبح بلا وظيفة فى الحياة ولاشئ يشغله سوى أن يرافق حفيدته كل صباح إلى المدرسة.. ثم إلى المقهى الذى لا يمكث فيه طويلا ثم يخرخ ليدور فى الشوارع يتفقد الفاتيرنات بلا هدف ثم يذهب إلى سوق الخضار يشترى بعض الفاكهة ويعود عند الظهر إلى البيت.
قال لى فى أسى إن كل من حوله أصبحوا يرونه شيئا خفيا.. كأنه موجود وغير موجود.. أصبح فى نظر الأسرة الرجل الكبير الطيب.( بركة البيت) الأب والزوج الذى أدى دوره ولم يعد أحد فى حاجة إليه.
وذات صباح قبل أن أغادر المقهى.. طلب منى على استحياء رقم تليفون.. وبعد أيام اتصل بى وقال إنه ياسف على الإزعاج لكنه أراد الاطمئنان على.. لأنى لم أظهر منذ عدة أيام. ولم يحدث بيننا أكثر من ذلك.. لكنه كان يسعد كثيرا عند ظهورى فى المقهى.. ويبتسم لى من قلبه.
استيقظت وأنا أنوى الذهاب إلى المقهى كالعادة لا أعرف لماذا وأنا ارتدى ملابسى وجدت نفسي اقول لنفسى( محمد بك مآت ) وحين خطوت إلى داخل المقهى لم أجده جالسا على نفس مقعده المعتاد.. وقبل أن أسأل همس لى صديق محمد بك تعيش آنت .
سالت دموعى بغزارة ، وتحرك قلبي قبل قلمي لكتابة نعي هذا الرجل الذي لا أعرفه!!