أنقذوا الرأسمالية بقلم: د. أمين رمضان
عزيزي القارئ، لا تخف من العنوان، فحيثما كان مكانك في نسيج الوطن الاجتماعي، فالمقال من أجلك أنت.
عنوان هذه المقالة ليس من اختياري، بل هو عنوان لكتاب ألفه “روبرت بي رايش Robert B. Reich”، مخاطباً أمريكا، حكومة وشعباً، وتم عمل فيلم وثائقي حديث مدته ساعة وعشر دقائق، مستلهماً محتواه من الكتاب، والفيلم بنفس الاسم “أنقذوا الرأسمالية”.
قيمة الكتاب هي أن مؤلفه عمل وزيراً للاقتصاد في حكومة الرئيس الأمريكي السابق كلينتون، وهو يؤمن بأن من حق أي مواطن يعمل أن يحصل على الدخل الكافي له ليعيش حياة كريمة، فهل نجح في ذلك؟ وإذا كان لم ينجح فما هي أكبر عقبة واجهته؟ وماذا كانت نصيحته للشعب الأمريكي؟
قد يقول قائل: وما علاقة بلد أخرى أو شعب آخر بهذا الكتاب؟ سأدع الإجابة لذكائك أيها القارئ لتعرف هل هناك علاقة أم لا.
المتابعون للمجتمع الأمريكي يرون آلاف الأمريكيين الذين يزورون البيت الأبيض من الخارج، ويقفون خلف السياج الذي يفصلهم عنه، فهل كانوا يستمتعون بالنظر إلى المبنى، أم أنه كان للموقف معنى؟! إنهم ببساطة يريدون أن تكون أصواتهم مسموعة، هذا الكلام لروبرت رايش نفسه، وهو الوزير الذي حاول جاهداً أن يجعل أصوات الشعب الأمريكي مسموعة داخل البيت الأبيض وليس خارجه، لكنه فشل، أما لماذا فشل؟ فهذا هو مربط الفرس، الذي جعل الكاتب يطلق صرخته التحذيرية للجميع، والحقيقة أنه يريد أن يقول “أنقذوا أمريكا” تحت عنوان آخر هو “أنقذوا الرأسمالية”.
أما العقبة الكؤود التي وقفت حائلاً بين الوزير وبين تحقيق حلمه كانت في الرأسمالية الأمريكية نفسها، التي أدت إلى تآكل الطبقة الوسطى، وتركيز الأموال في أيدي فئة قليلة جداً، بسطت نفوذها المالي على السياسة فاشترتها، وجعلتها خادماً مطيعا لها، يسن القوانين التي تخدم مصالح هذه الفئة القليلة لتزداد ثراءً، وفي نفس الوقت يزداد الشعب الأمريكي فقراً، حتى أنك لا تجد واحداً منهم ليس عليه ديون، والفيلم ملئ بنماذج ممن يعانون الأمرين لتوفير نفقات المعيشة والعلاج.
طاف الكاتب مناطق كثيرة بعد أن آمن بالشعب (الشعبوية) وكفر بهذه الصورة البغيضة من الرأسمالية التي تزوجت في الحرام بالسلطة وأنجبت قوانين غير إنسانية أو قل غير شرعية إن شئت، لأنها قوانين مدفوعة الثمن من أجل أنانية رجال المال، وجد الوزير السابق خلال جولاته غضباً هائلاً داخل نفوس الشعب المظلوم، بل إن صوت هذا الغضب كان عالياً يكاد يصم الآذان، إلا آذان السلطة والرأسماليين.
إذا هذا الكتاب صرخة تحذير من الكاتب الوزير للمجتمع كله، ليتجنبوا انفجار تغلي مراجله في قلوب الشعب، بل ويقدم الروشتة التي عجز هو شخصياً عن تنفيذها، البداية هي فك الارتباط بين المال والسلطة، بطلاق بائن، فتنأى السلطة عن نفوذ المال، وبعد ذلك تسن القوانين التي تحمي الشعب من جشع رأس المال، وتحرم دعم الحملات السياسية بالمال الذي كان يشتريها، كما قال ترامب نفسه في جزء من الفيلم الوثائقي، أنه كان يدفع للجميع عندما كان يدير أعماله، وكان إذا اتصل بأحد ممن دفع لهم ولو بعد ٣ سنوات، فيجده خادماً له منفذا لكل ما يطلبه.
لكن رغم الصرخة المدوية والتحذير الشديد للسلطة ورجال المال، فإن الكاتب يعتقد أن على الشعب أن يُسْمِعْ الجميع صوته، كما حدث في مرات سابقة، لذلك يجوب الآن المدن الأمريكية، ويلتقي بطوائف الشعب المقهورة، ليحثها على العمل معاً ليعلوا صوتهم وتستجاب مطالبهم.
ألست معي أيها القارئ الكريم أن مصلحة أي وطن تستدعي الإسراع بوضع صمامات أمان حماية هذا الوطن، بدلاً من ضخ الكراهية والحقد والبغضاء في النفوس، فيهدد الوطن كله خطر انفجار لا يعرف أحد مداه.
فهل تستفيد أوطاننا من هذه الصرخة الصادقة.