“أولاد رزق” …. وإنحطاط الحضارات .. بقلم : الدكتور حسين ربيع
قد تعتصر الأفهام لتصف معانى متعددة عن “الحضارة” ولكنها تشترك فى وصف الموروث والمنتج البشرى فى استخدام سنن هذا الكون العظيم وتسيير المخلوقات من دونه … وقد يصفها البعض بانها “الأمانه” التى حملها الانسان وقد أشفقن منها السماوات والأراضين…… وحملها الظلوم الجهول
ولايهمنى الجدال فى الوصف والتدقيق …. بقدر ما أهمنى هذا المنتج الفنى الشيق المحترف وهو ببراعة …. ينحط بوعى المشاهد المصرى وينطلق به للخلف فى سلم التطور الحضارى…..
الفيلم المصرى “أولاد رزق”
ولنرجع سويا نسترجع الماضى بمعرفية متأنية لانطلاق الانسان من “رجل الغابة” وهو يكافح للبقاء فى عالم لا أمان له … لايعرف قيم جماعية بقدر مايمارس بالفعل انتصار القوى على الضعيف …. وتتعامل أسباب البقاء لرجل الغابة مع “سعة ذهنية” محدودة لاتتفهم العواقب لطغيانه على غيره
ثم يتطور هذا البشر العدوانى بعد ذلك الى “قبيلة مجتمعية” … تؤمن “بالحقائق المطلقة” التى تعددت فيها مصدر التوجيه وتطورت أيضا مع تطور التجمعات البشرية من زعيم القبيلة وساحرها … الى رسلا وانبياء … وكتب ورسالات …. وحاخامات ورهبانا وقسسة وباباوات…. ثم شيوخا وملالى ومرشدين …. ثم أمراء وزعماء وملوك ورؤساء … ودول وحكومات وشركات متعددة القارات …ثم أخيرا مايسمى بالميديا او الاعلام …. هذه الآله الرهيبة التى تتسلل الى وعينا وعقلنا وفهمنا لتقذف بداخلنا وتبث فى ذهننا نحن الانسان المجتمعى … “الحقائق المطلقة ” …. لتتحكم فيه وتوجهه وتسخره … وتسعده وتشقيه
فى هذا التطور تعددت أيضا متطلبات البقاء وتعاملت مع “السعة الذهنية” المتواسعة بعمق أكبر…. ولكننا هنا فى مجتمعنا المصرى قد تم كبحنا وايقاف تطورنا ثم السير بنا الى الخلف …. لانكاد ننجح فى “سعة ذهنية” تتسع اتحاد ملاك يختلف فيه الجيران على تحصيل رسوم الصيانة …. أو استخدام “البوفيه المفتوح” فى مطعم دون اهدار ضخم لمصادر غذاء وشراب !!!
وهاهى تنطلق بنا الى الخلف مسرعة ومتهاوية … الآلة الاعلامية المصرية فى”اأولاد رزق” … بكل براعة وخفة واحتراف … لترتد بنا الى عصر ” رجل الغابة” ….. لايهم الوصول الى الغابة … بقدر ما أنها تسيرنا للخلف فى سباق الارتداد للوراء حتى لو وصلت بنا فقط الى محطة “ساحر القبيلة ” ….
نجح الماكر فى … انحطاط الغافل ولو جزئيا !!!
بداية تتكاثر التقاطيع النسوية من تضاريس بارزة … ليس بهدف الاثارة … فمصادر الاثارة فى متناول الجميع بلاثمن الا من شحن الجوال شحن زهيد …. ولكنها و سيلة ماكرة لعمل الوصلة الأولى “اللينك” مع اللاشعور الذى يتقد ويتفاعل مع المريح من الحواس …. بعدها يستسلم اللاشعور لاطفال أيتام يعتدى على حقهم اسطى الورشة بلارحمة …. فيقتص منه زعيم القبيلة بلا هوادة …. وبهذا يعقب اللينك “قنطرة العبور” الى اللاشعور بعهد يقطعه رجل الغابة مع اخوته فى كفاحهم من أجل توفير أسباب البقاء.
وبعد تركيب القنطرة … تتولى آلة الاعلام تزغيط المشاهد “بالحقائق المطلقة” … وقد نجح الالتحام دون حاجة الى سفينة فضاء … التحام مع اللاشعور للمشاهد الغافل المتابع بمشاعر حانية على عصابة الاخوة وقد تعاهدوا فيما بينهم …. فتأتى أولى الحقائق المطلقة فى شخص “الشربينى” القط السمين والرجل الكبير ….. فتضعه فى مناعه عاليه ومنزلة لا تمس ولاتخدش … لتسجل فى ذهننا المسروق … قواعد اللعبة التى فيها أن الكبير كبير …. فلا تتخيل عكسه… ولا تطمع فى سرقته
وتتوالى حبكة الفيلم لترسم ملامح الشرطى الفاسد والعصابة الناشئة التى يهددها توبة رجل الغابة الاخ الأكبر و عدوان عصابة أخطر عليها داهية “المعلم صقر ” …. وبين حرفية التمثيل وحبكة السيناريو ومهارة التصوير … يستمتع كل منا بتقاطيع مكتنزة وألفاظ نابية محبوبة …. ليتم قذف “الحقيقة المطلقة ” الضخمة فى نعومة وانسيابية ممتعة تتلذذ بها جوارح المشاهد …. الا وهى
“الجريمة تفيد … مع الأذكياء ”
هاهم الأشقاء يستردون :
اخاهم الأكبر عن توبته
واخاهم الأصغر من غيبته
ويتخلصون من خصمهم
ويقهرون شرطيا فاسدا …. ولكنهم يرفعون أسهمه … ويعوضونه عن خسارته … بترقيه وعلاوه ….
ويحدث التناغم بين حاميها وحراميها!!!!
ولم لا ….وهاهى الجريمة تفيد … قد أحكمت فى لاشعور المشاهد …. المحروم من أحلام كثيرة بثها الفيلم داخله من متطلبات الحياة ….. فليس عليه الا الارتداد الى الوراء …. مع تردى حضارة المصرى…. المسروق عنه وعيه والمفقود منه بصيرته !!!!
حقا هى …..” إنحطاط الحضارات “.