أول مرة تقع فيها عيناي على الجنيه
يروي الكاتب الصحفي محمد يوسف رزين مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط للشئون الإقتصادية قصة الجنيه المصري قديما وحديثا مستعرضا موقف واقعي له ولاشقائه مع والده ، فكتب على صفحته على الفسبوك بأسلوب سلسل وشيق يقول :
احتفلت مؤخرا بمرور 60 عاما، على أول مرة تقع فيها عيناي، وأنا طفل صغير على صاحب القامة والقيمة حينئذ “الجنيه المصري”. أو الأبيج كما يحلو للبعض أن يسميه.
كان الوالد يرحمه الله في ريعان شبابه، وقبل وفاته بنحو 11 عاما، يجلس مع اطفاله جلسة مرح، وفاجأنا بسؤال: تحبو يا أولاد تشوفوا الجنيه المصري؟
قبل الاسترسال أود أن أحيطكم علما بأن العبد لله من مواليد قرية كفر الشرفا الشرقي 1958. وعشت مرحلة الطفولة والقرية الفقيرة تكمل عشاءها نوما وسط ظلام دامس ولا يعرف التعامل بالنقد فيها إلا قلة من الأعيان والتجار والعمال. وكان والدي يرحمه الله من فئة العمال يتقاضى عدة جنيهات راتب شهري من عمله نساجا بمصنع قريب من القرية. أما أهل القرية الفلاحين البسطاء فلم يكونوا في حاجة إلى النقود إلا نادرا جدا.
كانت القرية المصرية ترفع شعار الإكتفاء الذاتي وتبادل الخدمات والمنافع دون حاجة إلى النقود إلا نادرا جدا.
نظرنا إلى الوالد نظرة دهشة وإعجاب، في نفس الوقت، وقلنا نحن الثلاثة في صوت واحد..
ياسلام ياريت يابا (كنا بنقول يابا ويما وما نعرفشي بابا وماما).
وضع الوالد يده في الصديري (مش ها اشرح لك يعني إيه صديري) وأخرج محفظة كبيرة فتحها أمامنا ثم أخرج منها صاحب المقام الرفيع حينئذ الجنيه المصري.
ملأت السعادة والسرور وجوهنا ونحن ننطر في إعجاب واحترام شديد إلى سعادة الجنيه. وكان والدي يرحمه الله أكثر كرما، فسمح لكل واحد منا أن يمسك سعادة الجنيه بيده، ويقلبه، ويتأمل جماله ووجهه وظهره بكل أدب ولطف.
يالها من لحظات رائعة من اللحظات النادرة التي لا تنسى.
دار حوار بريئ بيننا وبين أبي يرحمه الله مضمونه: هو الجنيه ممكن يجيب حاجات كثيرة قوي مش كده يابا؟. ورد والدنا بكل صراحة وفخر عن قدرة الجنيه في هذا الزمان، وماقبله، على شراء كل ما يتعلق بأفخم المأكولات والمشروبات من أفخم المطاعم وشراء ملابس والقيام بفسحة في أجمل مواقع القاهرة على النيل..
وإذا جمعت عدة عشرات من الجنيهات يمكنك أن تشتري قطعة ارض في صحاري مصر الجديدة أو مدينة نصر أو منزل صغير في القرية وتكون من ذوي العقارات كما فعل كثيرون حينئذ.
بعد 60 عاما على هذه الواقعة يختلف الفقهاء اليوم (فقهاء الإقتصاد) حول مآل الجنيه المصري بعد مرور سبعين عاما على استقلال الوطن عن الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدر الوطن سبعين عاما أيضا تاركا سعادة الجنيه المصري بقيمة تفوق الجنيه الذهب حيث كان سعر الجنيه الذهب إبان خروج الاحتلال يعادل 5ر97 قرش والآن بعد مرور 70 عاما على استقلال الوطن فإن الجنيه لا يشتري رغيف خبز ؟؟؟
الحوار الذي انتهى بالفخار والسعادة مع والدي يرحمه الله قبل أكثر من 60 عاما أنهيته مع أولادي، قبل أن يبدا، بلطف وهدوء. وانزويت جانبا مع نفسي أحاول أن أجهش بالبكاء أشكو بثي وحزني إلى الله عز وجل على ما آل إليه حال الجنيه المصري دون الدخول في جدل سياسي واقتصادي لن ينتهي.
قبل أن أختم المقال استأذنكم في أن أطرح سؤالين.. الأول لأصدقاء الفيس بأن يفكروا بصدق ووطنية وصوت عال في مقترحات جادة لإنقاذ الجنيه المصري دون الدخول في نفق مناقشة الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الهاوية.
وأشكر سلفا كل من ليس لديه إجابة علمية أن لا يكلف نفسه كما اشكر الأصدقاء الذين سيلوحون بعلامة الإعجاب ان لا يكلفوا أنفسهم.
أما السؤال الثاني فهو موجه من خلالكم جميعا إلى الذين يحرصون على أو يتسابقون إلى اكتناز الدولار بهدف التربح والإثراء الفاحش.أقول لهم اتقوا الله في وطنكم فإن مثل هذه المتاجرة من أشد أنواع الربا خطورة لأنها تدمر اقتصاد الوطن وتهدد حياة ملايين الأبرياء الفقراء بسبب وحش الغلاء الناجم عن المزايدة في أسعار العملات الأجنبية.