قد تمر بنا مواقف في الحياة تستدعي أن نغير المكان، أو أن نغير الأشخاص، أو أن نغيّر الظروف من حولنا، أو تتغير الظروف من ذاتها .
وعندما يحدث هذا فإننا نزعج لمثل هذه التغيرات، وهذا الانزعاج أمر طبيعي، فالانسان عادة ما يركن إلى منطقة يرتاح فيها، يأنس بظروفها وأشخاصها، ويركن إليها عندما تدلهم به الخطوب، قد يحلو للبعض أن يسميها منطقة الراحة، ولذلك عندما يحدث أي تغيير في المكان أو الأشخاص أو الظروف يحدث انكسار لهذه الدائرة .
و للأسف فإننا جميعا ننزعج، ونشعر بمشاعر الغربه والاضطراب، ويعترينا الحزن وفقدان الرغبة في الاستمرار .
ولكن ..ماذا لو ؟؟؟
ماذا لو نظرنا إلى ما حدث لنا من زاوية أخرى ؟؟؟
ماذا لو فكرنا بطريقة أخرى مختلفةً عن طريقة تفكيرنا التي اعتدنا عليها ؟؟؟
جرب أن تعتبر أن ما حدث لك هو في ظاهره أمرٌ لم تكن تتمنى أن يحدث، ولكن في باطنه قد كفاك الله به شرًّا، أو أمرًا سيئًا قد يحدث لك في منطقة الراحة لديك !!
ماذا لو حاولنا أن نفهم الرسالة التي كانت وراء هذا التغيير الحاصل ؟؟
جرّب أن تفكر أنك قد تكتسب شيئًا جديدًا يتمثّل في صداقة شخصٍ جديد، أو تتعرف على ظروف جديدة تكسبك أفقًا أوسع في الحياة، أو تكتسب مهارةً جديدةً تتعلمها ثم تُعلمها، ومن الممكن أن يكون التغيير الذي طرأ عليك هو الخير الذي يغير حياتك للأفضل، فقط لو تماهيت معه وتقبلته بطريقةٍ فيها انفتاح وحب للتغيير مع قليل من المخاطرة .
لا تحلو الحياة في دائرة واحدة روتينية
وقد نجلب التغيير لأنفسنا بأيدينا .
ولأننا نحن من جلبه نستمتع به ،
أما لو كان التغيير خارجًا عن إرادتنا فإننا نتعامل معه بطريقة اللاستمتاع .. والاضطراب .. والقلق .. والخوف من المجهول .
ويخطر ببالي دائماً قول أحدهم: الأكثر مرونة هو الأكثر تحكمًا !!
عندما تكون مرنًا في الحياة فأنت الأكثر تحكمًا في ظروفك وحياتك .
عندما تتعلم المرونة في الحياة وتتقبل كل من حولك بناء على قاعدة: إنِّه لا يوجد شيء ثابت في الحياة، وأن التغيير هو القاعدة الأساسية، عندها يكون تعاملك مع كل ما يحدث لك بنظام أكثر استمتاعًا وأكثر تقبلاً (التغيير هنا لا أقصد به بالطبع تغيير القيم والمبادئ ) .
إننا ننظر دائمًا الى قاعدة التغيير والاختلاف في الكون نظرةً عدائيةً، نظرةً فيها تشاؤم، وسلبية، وننسى دائمًا أن خروج النبي عليه الصلاة والسلام من بلده المحبب مكة إلى بلد آخر لا يعرفه قد حمل معه بناء الدولة الجديدة، والتي جاء معها النصر والتمكين !!
إن أجمل قصائد إيليا أبو ماضي كانت في المهجر، وأجمل ما كتب جُبران كتبه وهو بعيدٌ عن بلده، السيىء في الأمر أنه هو لا يدري بذلك، أي لم يدرك أن التغيير هو مَن منحة القدرة على الإبداع، لكننا نحن -وبعد زمان طويل – دريْنا وعلمنا أن سر شهرة جبران كانت الغربة، وربما هو ذاته لو نظر إلى الغربة نظرة مختلفة لعاش دهرًا من مشاعر الجمال في تغييره لظروفه الأساسية !!
سر التغيير في حياة الماهاتما غاندي هي سفره وأسْرِه و سجنه، فكان أن جعل من ظروفه الصعبة مدخلاً لأن تصنع منه الرجل الذي غير تاريخ الهند !!
لو لم يتحدى ” مارتن لوثر كينغ ” الوسط الذي نشأ فيه، ومحيطه التي تربى فيه لم يستطع أن يُحدث التغيير الذي حدث للزنوج في أمريكا !!
وأستطيع أن أعدّد – إلى ماشاء الله – من الأشخاص الذين لمّا تغيرت ظروف حياتهم أبدعوا، وتركوا بصمة في الكون لا تنسى .. وأثرًا مهما مرت السنون لن يُمحى .
وهكذا هي الحياة، قد تهدينا أجمل ما لديها في صورة تغيير يحصل لنا، إنما الذي يحدد أنه تغيير فيه من الخير والجمال، الأفضل هو نحن ونظرتنا للأمر من زاوية أخرى مختلفة عما أعتدنا عليه،
وأيضًا من يقرر أن هذا التغيير فيه من السوء والأذى هو نحن أيضاً،ونظرتنا للأمر على أنه سيىء ومؤذي ومقلق
تجعلنا ننسى أن الكون بيد مقلب الأمور وهو من يختار، وهو – سبحانه – لا يختار لنا إلا الخير !
(وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا )
تذكر دائمًا: أن كل ما يحدث لك هو خير، واعمل بقاعدة : أينما زُرعت فأثمر، وتذكر دائمًا أن الحياة