

إن الفعل الماضي في السؤال السابق ” ذهبَ” في حدود رأيي المتواضع جداً هو تعبير في منتهى الذكاء. فإذا حذفنا أداة الاستفهام سنجدنا بصدد جملة تعبر عن إجابة التساؤل حول توحش الدولار في الفترة الأخيرة بمعدل زيادة ” جنيهاً ” كل ثلاثة أيام تقريبا – أو أقل من هذه المدة -. والسبب المنطقي لهذا التوحش هو أن لا دولار لدينا.
ذهبَ دولار مصر. ومن ثم نتسائل ” إلى أين ؟ “.
على حسب تصريح البنك المركزي فإن الحكومة الحالية هي أكثر الحكومات في تاريخ مصر استقبالاً للمنح، فلقد ساهمت دول الخليج بـ 40 مليار دولار ( هذا ما أعلنه البنك المركزي)، فضلا عن قيمة الاحتياطي الموجودة أصلاً. فإن التساؤل حول أين ذهبت هذه المليارات أمر مشروع جداً.
في ظروف مثالية جداً سيكون الضوء متجهاً نحو “الإنفاق”. وإذا افترضنا عنصر اللامثالية أو المؤامرة، فقد يكون محاولة لفرض واقعٍ ما على الشعب. على أية حال، فإن الفشل حليف كلا السيناريوهين.
فالإنفاق متجه لغير محلهِ منذ عصور بعيدة، ولكن إذا ما كنا نرصد تفاقم الأزمة الحالية فإن قائمة الإنفاق تتصدرها قناة السويس الجديدة،شراء الأسلحة، بناء السجون، و الطرق الجديدة ومشروع المليون ونصف فدان… كان لابد أن لا يكون الإنفاق في أمور كهذه والأسباب يعلمها الجميع والنتيجة غير خافية.ففي قناة السويس مثلا تم جمع الأموال ( بالجنيه المصري ) من الشعب وإجراء عملية تبادل ذاتية بين الدولة كطرف والبنك المركزي كطرف آخر من الاحتياطي الموجود– أغلب الظن – ومن ثم دفع أجور الشركات الأجنبية العاملة في الحفر. هذا على أمل – غير مدروس – بأن القناة الجديدة ستأتي أكلها سريعاً، ولم.
هذا على المستوى الحكومي.أما الإنفاق على مستوى القطاع الخاص، فلابد أن لا يتم السماح لبعض المستوردين بفرض سلع جديدة على السوق غير ضرورية.
أما إذا نظرنا لفرضية التآمر فنجد عنصرين رئيسين لا بديل عنهما:
الأول : التوقف المفاجئ للدعم الخليجي. لظروف نعلمها جميعاً وأخرى لا نعلمها.
والثاني : أن الحكومة تتحين الفرصة لتعويم الجنيه، ولابد أن يكون هذا القرار الصعب محاطاًبظروف صعبة أيضاً، فيستوي لدى الشعب (سينا وسونيا)، بل والصرخة الكبرى التي قد تُخْتَلَق: “أغيثونا ودعوه يسبح”. هذا الذي يعد طلبا رئيساً في مسألة القرض ومناشدات الصندوق اليومية لمصر أن أسرعوا بتعويم الجنيه.
إن الإنفاق في غير المحل، ومحاولة فرض سلع جديدة غير ضرورية على السوق، فضلاً عن محاولة فرض واقع التعويم هم أبرز الإجابات المنطقية التي قد تستدعى للإجابة على تساؤل : ” أين ذهب دولار مصر ؟”.

طالب الماجستير
باحث في فلسفة السياسة