أراء وقراءات

أَصْلُ اَلْكَلِمَةِ

بقلم / مُحَمَّدْ تَوْفِيقْ مَمْدُوحْ اَلرِّفَاعِي

اَلْكَلِمَة هِيَ أَصْلُ اَلْوُجُودِ وَبِهَا بَدَأَ اَلتَّكْوِينُ

وَهِيَ ضَمِيرُ اَلْإِنْسَانِ وَمُنْطَلَقِهِ وَنِبْرَاسِ اَلْحَضَارَاتِ

اَلْكَلِمَة . . . . . .

هِيَ أَصْلُ اَلْإِنْسَانِ عَامَّةً فَهَلْ هِيَ اَلَّتِي تَتَأَلَّفُ مِنْ بِضْعَةِ حُرُوفٍ أَقَلُّهَا اِثْنَيْنِ أُمّ مَاذَا ، نَسْتَطِيعُ أَنْ نَعْرِفَهَا بِأَنَّهَا هِيَ مِفْتَاحُ اَلْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَكُلِّ اَلْأَشْيَاءِ وَبِدَايَةَ اَلْمَعْرِفَةِ اَلْعَامَّةِ مِنْ اَلْأَقْوَالِ أَوْ اَلْأَفْعَالِ أَوْ اَلْأَفْكَارِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ وَالْمَعَانِي وَالْأَضْدَادِ لِتُصْبِحَ مَوْسُوعَةً تَضُمُّ كُلَّ اَلْمَعْلُومَاتِ فِي مُخْتَلِفِ مَيَادِينِ اَلْعَلَمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْفُنُونِ وَهِيَ اَلدَّالَّةُ عَلَى كُلِّ مَا يُرَادُ مِنْهَا فِكْرِيًّا وَعَمَلِيًّا . فَالْكَلِمَةُ هِيَ اَلنُّورُ اَلْمُشِعُّ اَلَّذِي يُنِيرُ ظَلَامَ اَلْكَوْنِ وَالْفُرْقَانِ بَيْنَهَا وَلِذَلِكَ كَانَتْ اَلْبَلَدِيَّاتُ فِي اَلْخِطَابِ اَلْإِلَهِيِّ تَدُلُّ عَلَى اَلنُّورِ فَقَالَ فِي مُحْكَمٍ كَتَبَهُ

( اِقْرَأْ . . .

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ . . .

فَتَلَقَّى آدَمْ كَلِمَاتٍ . . .

فِي اَلْبَدْءِ كَانَتْ كَلِمَةٌ . . . )

فَكَانَتْ هِيَ بِدَايَةُ اَلْمَعْرِفَةِ وَالْمِيثَاقِ

فَجَعَلَهَا بِدَايَةُ اَلْحَيَاةِ وَأَرَادَهَا اَللَّهُ كَلِمَةَ سَلَامٍ وَكَذَلِكَ اَلنَّوَامِيسُ اَلْوَضْعِيَّةُ فَجَعَلَهَا اَلْبَعْضُ حَرْبًا وَجَعَلُوا اَلْحَرْبَ هَدَفَهُمْ قَبْلَ اَلْحَرْبِ فَهِيَ اَلسَّلَامُ قَبْلَ اَلْحَرْبِ ، وَلَقَدْ أَرَادَ اَللَّهُ بِهَا خَيْرًا لِلْإِنْسَانِ وَأَيْضًا أَرَادَهَا مِنْ وَضْعِ اَلنَّوَامِيسِ اَلْوَضْعِيَّةِ لَكِنْ اَلْبَعْضَ جَعْلَهَا شَرًّا فَالْخَيْرُ وَجَدَ قَبْلَ اَلشَّرِّ وَجَعَلُوا مِنْ اَلشَّرِّ غَايَتَهُمْ ، فَلِنَجْعَل مِنْهَا رِسَالَةَ مَحَبَّةٍ وَسَلَامٍ لِأَنَّهَا هِيَ مَسْؤُولِيَّةُ اَلْإِنْسَانِ فِي كُلِّ اَلْأُمُورِ اَلْحَيَاتِيَّةِ اَلْحَضَارِيَّةِ وَهُوَ اَلْمَسْؤُولُ عَنْهَا .

فَالْكَلِمَةُ هِيَ اَلْقَوْلُ وَالْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَالْقَانُونُ وَالْمِيزَانُ فَهِيَ أَصْلُ اَلْوُجُودِ وَبِهَا بَدَأَ اَلتَّكْوِينُ ، لِأَنَّهُ جَعَلَهَا مِفْتَاحُ كُلِّ عَمَلٍ وَفَعَلَ ، خَلْقُ اَللَّهِ اَلْكَوْنِ بِكَلِمَةِ وَخَلْقِ جَمِيعِ اَلْخُلُقِ بِكَلِمَةٍ ، وَجَعْلُهَا لَنَا مِفْتَاحُ اَلْمَعْرِفَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالنَّامُوسِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَضْدَادِ اَلَّتِي تَوَصَّلَ إِلَى كُلِّيَّاتِ اَلْعُلُومِ اَلْمَعْرِفِيَّةِ وَلِذَلِكَ أَقَرَّهَا اَللَّهُ فِي بَدْءِ اَلْخُلُقِ فَخَلَقَ اَلْإِنْسَانُ وَمَيَّزَهُ بِالْعَقْلِ اَلْمُفَكِّرِ وَالْمُدَبِّرِ فَاسْتَنَارَ بِهِ حِينَمَا بَدَأَ بِالْكَلِمَةِ فِي اَلْمَعْرِفَةِ وَالْعُلُومِ وَأَمَرَهُ بِعِمَارَةِ اَلْأَرْضِ وَالْبَحْثِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَجَعْلِ بَيْنِهِ وَبَيْنَ اَلْإِنْسَانِ اَلسَّلَامِ كَلِمَةَ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، فَكَانَتْ اَلْكَلِمَةُ هِيَ بِدَايَةُ اَلْأَشْيَاءِ وَاصَلَهَا وَبِهَا يُحَاسِب اَلْخُلُقُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ فَبِدَايَةَ أَوَّلِ اَلْعَمَلِ هِيَ اَلْكَلِمَةُ فَبِالْكَلِمَةِ نَسْتَطِيع أَنْ نَبْنِيَ أَجْيَالاً مُسْتَنِيرَةً اَلْعُقُولِ وَبِهَا نَسْتَطِيع أَنْ نُدَمِّرَ أَجْيَالاً كَانَتْ تَحْلُمُ بِعِمَارَةِ اَلْأَرْضِ وَالْوِجْدَانِ ، وَبِهَا أَيْضًا نَبْنِي اَلْحَضَارَاتُ وَبِالْكَلِمَةِ نَهْدِم أَرْكَانُ تِلْكَ اَلْحَضَارَاتِ ، وَهِيَ عَهْدُ اَلشَّرَفِ اَلَّذِي نَقْطَعُهُ فِي اَلتَّعَامُلِ مَعَ أَنْفُسُنَا وَمَعَ اَلْآخَرِينَ وَهِيَ أَيْضًا نَسْتَطِيعُ بِهَا نُشْعِلُ نَارُ اَلْفِتْنَةِ وَنَفْتَعِلُ اَلْحُرُوبَ وَنَنْشُرُ اَلرَّزِيلَة ، وَهِيَ مَوَاثِيقُ اَلْعُقُودِ وَالْعُهُودِ بَيْنَ اَلدُّوَلِ فِي اَلِاحْتِرَامِ اَلْمُتَبَادَلِ فَنَجْمَعُ وَنُفَرِّق ، بِكَلِمَةِ نَجْعَلْ اَلسَّلَامُ يَسُودُ اَلْعَالَمُ وَيَعُمُّ اَلْأَمْنُ وَالِاسْتِقْرَارُ أَرْجَائِهِ وَبِهَا نَسْتَطِيع أَنْ نُعْلِنَ حَرْبًا مُدَمِّرَةً تَهُزُّ أَرْكَانَ اَلْعَالَمِ وَتَقْضِي عَلَى مَظَاهِرِ اَلْحَيَاةِ ، وَبِهَذَا نُخَلِّصُ أَنَّ مَا بَيْنَ حَيَاةِ اَلْإِنْسَانِ وَخَلَاصِهِ وَمَا بَيْنَ مَوْتِهِ وَدَمَارِهِ هِيَ كَلِمَةٌ .

فَهَلْ جَعَلْنَا مِنْ هَذِهِ اَلْكَلِمَةِ عَهْدًا وَمِيثَاقًا أُمّ حَوَّلْنَاهَا لِغَايَاتٍ رَخِيصَةٍ مُدَمِّرَةٍ ، فَهَلْ نَظَرُنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَسْلَفْنَا وَهَلْ بَنَيْنَا بِهَا حَضَارَةً وَرِفْعَةً وَهَلْ أَسَّسْنَا لِأَجْيَالِنَا اَلْقَادِمَةَ مَا نَفْخَرُ بِهِ وَمَا يَفْخَرُونَ بِهِ أَيْضًا وَهَلْ زَرْعُنَا بِهَا اَلْمَحَبَّةُ وَالسَّلَامُ وَالْأَمَانُ بَيْنَنَا فَيَا وَيْلِنَا لَوْ اِسْتَمَرَّتْ تِلْكَ اَلْكَلِمَةِ اَلَّتِي جَعَلَنَا مِنْهَا مِفْتَاحِ شَرٍّ أَوْصَلَتْنَا إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ اَلْآنَ ، فَلِنَعُودَ إِلَى اَلْفِطْرَةِ اَلَّتِي أَرَادَ اَللَّهُ مِنْ اَلْكَلِمَةِ فَنَجْعَلُهَا كَالشَّجَرَةِ اَلْمُبَارَكَةِ دَائِمَةً اَلْخُضْرَةِ وَالثَّمَرِ وَلَا نَجْعَلُهَا كَشَجَرَةِ اَلسُّوءِ تَسْتَظِلُّ بِهَا شِرَارْ اَلنَّاسِ وَلَا نَجْعَلُهَا كَقِطْعَةِ زُجَاج رَخِيصَةٍ مُلَوَّنَةٍ بَرَّاقَةٍ يُخَيَّلُ لِنَاظِرِهَا بِأَنَّهَا تِبْرًا أَوْ ذَهَبًا ، فَلْتَكُنْ هَذِهِ اَلْكَلِمَةِ شَرَفَ اَلْإِنْسَانِ وَقِيَمِهِ اَلْأَخْلَاقِيَّةِ وَالْوِجْدَانِيَّةِ اَلصَّادِقَةِ اَلْخَيِّرَةِ نَسْعَى بِهَا إِلَى حَضَارَةٍ خَالِدَةٍ وَعِلْمًا وَضَّاءً .

أَصْلُ اَلْكَلِمَةِ 2

 د . مُحَمَّدْ تَوْفِيقْ مَمْدُوحْ اَلرِّفَاعِي

       كَاتِب وَ شَّاعِرِ سُورِي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.