إثيوبيا تحتفل بمهرجان “إريتشا” للشكر والسلام
كتبت : د.هيام الإبس
احتفل الأورومو الإثيوبيون، أمس السبت ، بطقس “إريتشا” التراثى فى عاصمة البلاد إديس أبابا بصورة رسمية وشعبية، وتدفق عشرات الآلاف من مختلف القرى والمدن إلى بحيرة تبعد حوالى 50 كيلومتراً عن العاصمة.
ويعد “إريتشا” مهرجاناً دينياً وثقافياً للأسلاف، ويمثل أحد أهم الملامح الثقافية لعرقية الأورومو التى تشكل حوالى 40 فى المئة من السكان، كما يرتبط هذا المهرجان بمطالب سياسية وقومية ظلت تكابد مصاعب عدة لفترات تاريخية طويلة، وظل الاحتفال به ممنوعاً فى العاصمة أديس أبابا، حتى وصول رئيس الوزراء الإثيوبى آبىِ أحمد للسلطة، وهو ينحدر من هذه العرقية، وصدر أول تصريح للاحتفال به فى العاصمة فى أكتوبر عام 2019.
كان مهرجان “إريتشا” محظوراً خلال فترات الحكم التى أعقبت نظام منليك إلا أنه عاد إلى الظهور فى نهاية التسعينيات .
مهرجان للشكر والسلام
ويتميز هذا العيد القومى للأورومو، الذى يوازيه “عيد الشكر” فى الثقافة الغربية، بكونه يأتى متزامناً مع انتهاء فترة الأمطار وحلول موسم الحصاد، ما يكسب المناسبة بعداً اقتصادياً واجتماعياً إلى جانب كونه عيداً قومياً، وتحتفل بالعيد مختلف الفئات العمرية، وترتدي النساء ثوباً أبيض فضفاضاً، مصنوعاً فى الأغلب من القطن، إضافة إلى الثياب المزينة غالباً بألوان علم الأورومو، الأسود والأحمر والأبيض، فى حين يرتدى الرجال أزياء المحاربين التى تعبر عن بطولات الأسلاف، مع ما يرافقها من رمح وقوس وعصى، وشعر مجدول، ويتصدرون المشهد سيراً على الأقدام، إلى إحدى البحيرات بغرض تقديم الشكر لـ “واكا” مصدر الحياة الإلهى للأجداد، وتقديم فروض الطاعة والشكر مرتبطة بنهاية موسم الأمطار ووصول الربيع، إذ يشكرونه على محصول العام الزراعى وعلى جمال الطبيعة التى يضفيها الربيع.
وعلى رغم أن الأورومو منقسمون بالتساوى تقريباً بين المسيحيين والمسلمين، إلا أنهم يشيرون عادة إلى الله باسم “واكا” وبعضهم لا يزال يمارس “واكفانا”، أى عبادة “واكا” بصرف النظر عن ديانته.
ولعل ما تعرض له الأوروميون من تهميش وإقصاء، من قبل الأنظمة الإثيوبية المتعاقبة، خلال الحقب التاريخية المختلفة، بخاصة ما يتعلق بتعرض ثقافتهم وتقاليدهم للقمع لفترات طويلة فى إثيوبيا الحديثة التى توحدت، فى القرن الـ 19، من خلال فتوحات الأباطرة المسيحيين من سلالة سليمان، زاعمين أنهم ورثة الملك سليمان وملكة سبأ، كل ذلك أسهم بتمسكهم بعدد من المظاهر والطقوس المعبرة عن هويتهم القومية.
وكان تتويج الإمبراطور منليك وخلفاؤه فى عام 1889، قد أدى إلى فرض تدريجى للغة والثقافة الأمهرية، كنموذج وطنى إثيوبى، فى حين حُرم الأورومو من تقاليدهم، فيما عمد التأريخ الرسمى للدولة الإثيوبية إلى تقديم سرديات تُعلى من شأن السلالة السليمانية المتخيلة على حساب القوميات الأخرى، وأهمها الأورومو.
وكان مهرجان “إريتشا” محظوراً خلال فترات الحكم التى أعقبت نظام منليك، إلا أنه عاد إلى الظهور في نهاية التسعينيات، بعد أن حل النظام الفيدرالى الجديد ضمن دستور عام 1994 الذى أقر حقوق القوميات التى تتكون منها إثيوبيا فى “الترويج لثقافتها”، مع تقييد حرية التعبير إلى حد كبير، فيما بقيت هذه العودة لـ “إريتشا” محصورة فى إقليم الأورومو، دون عاصمة البلاد، على رغم أنها تتبع إدارياً لإقليم الأورومو.
بين السياسى والاجتماعى
فى عام 2019، عندما تم السماح بإقامة المهرجان فى وسط أديس أبابا، حذر ناشطون من إمكان تحوله إلى مناسبة للانتقام من العصور السابقة، فيما اعتبر آخرون أنها محاولة لتكريس “أورومية العاصمة”، بخاصة أن المناسبة انتقلت من بعدها التراثى الاجتماعى إلى البعد السياسى، لكن بعد مرور خمسة أعوام، بدا الاحتفال بمثابة صحوة لإعادة الاعتبار لإحدى أكبر القوميات الإثيوبية، وبعث ثقافة التعايش والتعدد فى إطار الدولة الإثيوبية، بل أصبح هذا المهرجان حدثاً يتم الاحتفال به عبر الحدود من قبل عشرات الآلاف من الأورومو المستقرين فى عديد من البلدان حول العالم، ومن طقوس هذا المهرجان التراثى ، أن يحتفل به على ضفاف النهر وشواطئ البحيرات لشكر الخالق، وواهب الحياة “واكا” على فضله، ويصلون من أجل السلام والمصالحة بين البشر.