إرشاد أهل الإيمان إلى وجوب تعظيم القرآن

كتب: هاني حسبو.

أجمع المسلمون منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب تعظيم القرآن وعدم الاستهزاء به أو بأحكامه وذلك لعدم شرفه وعلو مكانته بين الكتب السماوية الأخرى التي أنزلنا الله سبحانه وتعالى فهو ناسخ لها جميعها ومهيمن عليها.

القرآن هو الكتاب الوحيد الذي تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها:

“إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”، والذكر هو القرآن، والمعنى: أن الله سبحانه نزل القرآن وحفظه من أن يزاد فيه أو ينقص أو يحصل فيه تغيير أو تبديل، كقوله عز وجل: “وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ” [فصلت:42]، وقوله تعالى: “لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ” [القيامة:16- 18].

ولقد عظم الله عزّ وجل القرآن تعظيما كبيرا فقال سبحانه:

﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 192]، وقال: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴾ [البروج: 21]، واختار لكتابه أعظم ليلة: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3]، ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ  وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ  لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 1 – 3]، واصطفى من الملائكة أكرمَهم لتنزيله: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ [الشعراء: 193]، ومن البشر أطهرَهم وأتقاهم لتبليغه محمَّدًا صلى الله عليه وسلم، لينزل القرآن في أعظم بقعةِ أرضٍ: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96]، ويختتم النزول في نفس البقعة العظيمة: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، ثم عظَّم الله جل وعلا كتابَه بأن وَصَفه بأسمى الصفات، وأجلِّ النعوت، وأجمل الأسماء، فهو سبحانه المبتدئ أولًا بتعظيم كلامه جل وعلا.

ووصف الله كتابه بأوصاف العزة والرفعة فقال عنه بأنه”كريم”وبأنه”مجيد”وبأنه”مبارك”.

كل ذلك ليشعرنا الله تعالى بواجبنا نحو كتابه ألا وهو التعظيم والتوفير والتبجيل.

وهاهو نبينا صلى الله عليه وسلم يوجه أنظار الصحابة وأنظارنا لتعظيم هذا الكتاب العظيم فقال عليه الصلاة والسلام:

“لا يمس القرآن إلا طاهر” .تأكيدا على قوله تعالى لايَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 77 – 79].

ولنرى هذه الحادثة التي تؤكد على هذه المعاني العظيمة التي تبرز قدسية ووجوب تعظيم القرآن وهي أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ” أمتهوكون فيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني”
حديث صحيح رواه أحمد  في مسنده.

ولقد وعى الصحابة والتابعون هذه القدسية وقاموا بواجب التعظيم خير قيام:

فهذا أبو العالية إذا قرأ القرآن اعتمَّ ولبِس رداءه، واستقبل القبلة، وكان يكره أن يُقال: سورة صغيرة؛ لأن القرآن كله عظيم ولا صغير فيه، ولما رأى عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ابنًا له يكتب القرآن على حائط ضربه؛ لأن هذا ليس من التعظيم، ومجاهد يقول: إذا تثاءبتَ وأنت تقرأ القرآن، فأمسكْ عن القرآن العظيم حتى يذهب تثاؤبك.

بقي لنا أن نعرف حكم الاستهزاء أو السخرية بالقرآن أو بحرف منه لأن هذا الموضوع من الخطورة بمكان.

هذا نص فتوى واحدة من مئات. الفتاوى في هذا الشأن وهي:

 

فالقرآن كلام الله وهو صفة من صفاته والله لم يزل متكلماً إذا شاء ، هذا الذي دل عليه الكتاب والسنة وقاله أئمة الإسلام .

فالاستهزاء بكلام الله أو بكتابه أو محاولة إسقاط حرمتـه ومهابته كفر صريح لا ينازع فيه أحد ، قال الله تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ….. } سورة التوبة .

وهذه الآية نص في كفر من استهزأ بالله وآياته ورسوله سواء استحل ذلك أو لم يستحل فمجرد الاستهزاء بالمذكورات ردة عن الدين بإجماع المسلمين ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء كأن يكون مازحاً أو هازلاً .

وقد كفر الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء ، روى ذلك ابن جرير في تفسيره ( 10 / 172 ) بسند جيد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس . ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس : كذبت ولكنك منافق لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) .

المفتي هو الشيخ سليمان بن ناصر العلوان.

 

 

 

Exit mobile version