الصراط المستقيم

إستجابةُ الخليلِ وابنهِ إسماعيل لأوامرِ الله مع عظيم الإبتلاء والصبر

إستجابةُ الخليلِ وابنهِ إسماعيل لأوامرِ الله

بقلم – وليد على

الابتلاءَ سنةٌ كونيةٌ ولا سيَّمَا في حياةِ الأنبياءِ عليهِمُ السلامُ، ومِن أشدِّ الأنبياءِ بلاءً إبراهيمُ عليهِ السلامُ، فهو أحدُ أولِي العزمِ الخمسةِ مِن الرسلِ وهم : نوحٌ وإبراهيمُ وموسَي وعيسَى وخاتمهُم محمدٌ صلَّى اللهُ وسلّمَ عليهِم أجمعين.

ابتليَ إبراهيم في قومهِ وولدهِ، وهل هناك أشدُّ بلاءً مِن إحراقهِ بالنارِ؟!! ولكنَّ اللهَ نجاهُ منها وسلبَ منهَا صفةَ الإحراقِ!!

يخرج إبراهيم من بينهم بعدهَا ويسألَ ربَّهُ أنْ يَهَبَهُ ولدًا صالحًا، عوضًا عن قومهِ، يؤنسُهُ في غربتهِ، ويعينُهُ على طاعةِ ربِّهِ، فاستجابَ اللهُ دعاءَهُ ويحمل معه الدعوه لدين الله:{ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينِ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ }(الصافات: 99 – 101) ، فَرَزَقَهُ الله ولدًا صالحًا.

رزقَ إبراهيمُ بإسماعيلَ في سنٍ كبيرٍ، قيل أنَّهُ كان في السادسةِ والثمانينَ مِن العمرِ، ولنَا أنْ نتخيلَ كم يكونُ قدرُ هذا الطفلِ الذي جاءَ على شوقٍ كبيرٍ وانتظارٍ طويلٍ، فأحبَّهُ وقرَّتْ به عينُهُ، وتعلَّقَ بهِ قلبُهُ ، ترى كم يكونُ قدرهُ عندَ والديهِ ومحبتهمَا لهُ؟

بلغَ إسماعيل مرحلةَ السعيِ، وصارَ يذهبُ مع أبيهِ ويمشِي معه، فى سنِّ بدايةِ الشبابِ ثلاثةَ عشرَ عامًا تقريبًا، ووالدُهُ قد قاربَ المائةَ عامٍ، ومِن المعلومِ أنَّ الوالدَ حينما يكبرُ في السنِّ يزدادُ ضعفُهُ، ويبدأُ في الاعتمادِ على ولدهِ بصورةٍ كبيرةٍ.

ماذا لو أمركَ اللهُ بذبحِ ولدِكَ وحيدِكَ؟! هل تقْوَى على ذلِكَ؟! واللهِ إنَّه لبلاءٌ لا يطيقُهُ إلَّا الأنبياء!!؛ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}(الصافات: 102)، فلم يترددْ، ولم يخالجْهُ إلَّا شعورَ التسليمِ والاستجابةِ والانقيادِ ..

وانظر إلى مدَى البرِّ والاستجابةِ والطاعةِ والانقيادِ ليس من إبراهيم فحسب بل العجب ان تأتى الاستجابة ايضا مِن إسماعيلَ الذبيح عليه السلام، ويوصِّي أباهُ قبلَ التنفيذِ قائلًا: يا أبتِ أوصِيكَ بأشياءَ: أنْ تربطَ يديَ كي لا أضطربَ فأوذِيكَ!!

وأنْ تجعلَ وجهِي على الأرضِ كي لَا تنظرَ إلى وجهِي فتأخذكَ الشفقةُ فترحمنِي فلا تنفذ أمرَ اللهِ!!

واكففْ عني ثيابَكَ كي لَا يتلطخ عليها شئٌ مِن دمِي فينقصُ أجرِي وتراهُ أمِّي فتحزن!!

واشحذْ شفرتَكَ وأسرعْ إمرارَهَا على حلقِي ليكونَ أهونَ فإنَّ الموتَ شديدٌ!!

وأقرئْ أمِّي منِّي السلامَ، وقلْ لها اصبرِي على أمرِ اللهِ!! ولا تخبرهَا كيف ذبحتَنِي وكيف ربطتَّ يدِي!! ولا تدخلْ عليها الصبيانَ كيلَا يتجدد حزنُهَا عليَّ!! وإذا رأيتَ غلامًا مثلِي فلا تنظرْ إليه حتى لا تجزعْ ولا تحزنْ!!

فقالَ إبراهيمُ عليه السلامُ: نعمَ العونُ أنتَ يا ولدِي على أمرِ اللهِ

ويأتى يوم الامتثال لامر الله ويضع إبراهيمُ السكينَ على حلقِ ولدهِ ويمررها فلم يحصلْ شيئًا، وقيلَ انقلبتْ.

فقالَ له إسماعيلُ: ما لك؟! قال: انقلبتْ، فقالَ لهُ: أطعن بها طعنًا، فلمَّا طعنَ بها أبتَ ولم تقطعْ شيئًا، وكأنَّ السكينَ تقولُ بلسانِ الحالِ: يا إبراهيمُ أنت تقولُ اقطعْ، وربُّ العزةِ يقولُ لا تقطعْ !!!

لأنَّ كل شىء فى السماء والارض لايحصل الا بأمر اللهَ تباركَ وتعالى، فلم يشأْ لها أنْ تقطعَ؛ لأنَّ السكينَ لا يقطعُ بطبعهِ وبذاتهِ وإنَّما خالقُ القطعِ هو اللهُ تعالى وحدَهُ، فاللهُ خالقٌ للسببِ والمسبَّبِ،

يجينها ينادى المنادى : يا إبراهيمُ قد صدقتَ الرؤيَا، وهذا فداءُ ابنِكَ، فنظرَ إبراهيمُ فإذا جبريلُ معهُ كبشٌ مِن الجنةِ، قال تعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]، أي أنَّ اللهَ تعالى فدى إسماعيلَ بكبشٍ أقرنٍ عظيمِ الحجمِ والبركةِ.

صورَ الشاعرهذا الحدث أدقَّ تصويرٍ في أبياتٍ رائعةٍ فقال :

 

وأُمِرْتُ بذبحِكَ يا ولدِى *** فانظرْ في الأمرِ وعقباهُ

 

ويجـــــــــيبُ الابنُ بلا فزعٍ *** افــــــــــــــــــــــعلْ ما تؤمرْ أبتاهُ

 

لن نعصى لإلهِى أمرًا *** مَن يعصي يومًا مولاهُ ؟

 

واستلَّ الوالدُ سكـــــــــــــينًا *** واستســــــــــــــلَمَ الابنُ لرداهُ

 

ألقــــــــــــــــــاهُ برفقٍ لجـــــبينٍ *** كى لا تتلقَّى عينـــــــــــــــــــاهُ

 

أرأيتـــُــــــــــــــــم قلبًا أبويًا *** يتقبــــــــــــــــــلُ أمـــــــرًا يأباهُ ؟؟

 

أرأيتُم ابنـــــــــــــًا يتلقَّى *** أمرًا بالذبــــــــحِ ويرضاهُ ؟؟

 

وتهـــــــــــــــــزُّ الكونَ ضراعاتٌ *** ودعـــــــــــاءٌ يقبلهُ الله ُ

 

تتوســـــــــلُ للملأِ الأعلى *** أرضٌ وسمـــــــــــــــاءٌ ومياهُ

 

ويقولُ الحقُّ ورحمتهُ *** سبقتْ في فضلِ عطاياهُ

 

صــــــدَّقتَ الرؤيَا فلا تحزنْ *** يا إبراهيمُ فــــــــــــــدينَاهُ

استجابةُ الخليلِ وابنهِ عليهمَا السلامُ لأوامرِ الله ثقةٌ وطاعةٌ وطمأنينةٌ ورضى وتسليمٌ .. وانقيادٌ

فكان الأمرُ بالذبحِ اختبارًا وابتلاءً فلمَّا تمَّ الاختبارُ والابتلاءُ أصبحَ الذبحُ فداءُ وتضحية .

ضربَا الخليلُ وابنُهُ إسماعيلُ عليهمَا السلامُ لنَا أروعَ الأمثلةِ في الفداءِ والتضحيةِ والاستجابةِ والانقيادِ والطاعةِ لأوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فعلينا أنْ نضحِّي بأموالِنَا وأوقاتِنَا وأفعالِنَا وأقوالِنَا ونجعلَهَا كلَّهَا طاعةً واستجابةً وخضوعًا للهِ عزَّ وجلَّ.

أمرَنَا اللهُ بالاستجابةِ للهِ ولرسولهِ، قال تعالى:{يَا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا استَجِيُبوا للهِ وللرَّسولِ إذَا دعاكُم لما يُحْيِيكمْ} (الأنفال: 25)، قال السُّدِّيّ: ” في الإسلامِ إحياؤهُم بعدَ موتِهِم بالكفرِ “. (تفسير ابن كثير) .

فهنيئًا لمَن استجابَ للهِ ولرسولهِ صحبةُ الحبيبِ في الآخرةِ والشربُ مِن يديهِ الشريفتينِ، وسحقًا سحقًا وحسرةً وخسارةً لمَن لم يستجبْ لأوامرِ اللهِ ورسولهِ وينتهكُ الحرماتِ في الأشهرِ الحرمِ

ومِن أهمِّ انواع الاستجابة لله فى يوم النحر ان كنت ذو مال، ذبحُ الأضاحِي بعدَ صلاةِ العيدِ مباشرةً، لقولهِ تعالى: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }(الكوثر: 1- 3)، ووقتُ الذبحِ أربعةُ أيامٍ، يومُ النحرِ وثلاثةُ أيامِ التشريقِ، لما ثبتَ عن النبيِّ ﷺ أنَّه قال: “كلُّ أيامِ التشريقِ ذبحٌ” ( ابن حبان وأحمد والبيهقي) .

والتهنئةُ الطيبةُ التي يتبادلُهَا الناسُ فيمَا بينهُم أيًّا كانَ لفظُهَا، مثل قولِ بعضهِم لبعضٍ: تقبلُ اللهُ منَّا ومنكُم، أو عيدٌ مباركٌ وما أشبَهَ ذلك مِن عباراتِ التهنئةِ المباحةِ، فعن جبيرِ بنِ نفيرٍ قال: “كان أصحابُ النبيِّ ﷺ إذا التقُوا يومَ العيدِ يقولُ بعضُهم لبعضٍ، تُقُبِّلَ منَّا ومنكَ.

كما تشرعُ التوسعةُ على الأهلِ والعيالِ في أيامِ العيدِ دونَ إسرافٍ أو تبذيرٍ، مصداقًا لقولهِ تعالى:{ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} ( الأعراف:31)، وكذلك التوسعةُ على الفقراءِ والمساكين، لما رواهُ البيهقيُّ والدارقطنيُّ عن ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: « اغْنُوهُم فِي هَذَا الْيَوْمِ ».

وفي رواية للبيهقي: « اغْنُوهُم عن طوافِ هذا اليومِ وهذه كلُّهَا مبادئٌ إسلاميةٌ رفيعةٌ، فيها البرُّ والإحسانُ والتعاونُ والتآلفُ والتوادُّ والتراحمُ، وكلُّها مظاهرٌ مِن التكريمِ والفرحةِ والبهجةِ وإدخالِ السرورِ على الفقراءِ والمساكين في العيدينِ الكريمينِ، فما أجملَ هذا الدينَ الحنيفَ .

تقبلُ اللهُ منَّا ومنكُم صالح الاعمال، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى