إسرائيل الكبرى بين كمين الزيتون واستشهاد أبو عبيدة: عندما يضحك التاريخ على نتنياهو

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير
في أواخر أغسطس 2025، وبينما كان الجيش الإسرائيلي يواصل توغله البري ضمن خطة احتلال غزة، تلقّت وحداته واحدة من أكثر الضربات إيلامًا منذ بدء حربه على القطاع ففي حي الزيتون شرقي غزة، الحي العريق الذي تحوّل بفعل القصف الإسرائيلي إلى أطلال رمادية، نُفّذ كمين محكم ضد قوات النخبة الإسرائيلية من الفرقة 162 واللواء 401، ليُعيد المقاومة رسم موازين المعركة من جديد.
العملية لم تكن مجرد اشتباك عابر، بل لوحة قتالية مركّبة: أنفاق هجومية تسلّل منها المقاومون خلف خطوط العدو، تفجيرات لعبوات ناسفة مزروعة مسبقًا، ثم هجوم مباغت بالأسلحة الرشاشة وقذائف “ياسين 105”، في حين تولت وحدات القناصة والمدفعية تغطية أرض المعركة وإعاقة وصول أي تعزيزات إسرائيلية مما أدي إلى مقتل جندي واحد على الأقل، وإصابة 11 آخرين بعضهم في حالة حرجة، وفقدان الاتصال بأربعة جنود وسط مخاوف من وقوعهم في الأسر.
كرنفال جهنمي
كما هرعت مروحيات عسكرية لإجلاء المصابين، لكنها واجهت بدورها وابلًا من نيران المقاومة، لتتحول السماء إلى مشهد أقرب إلى “كرنفال جهنمي” منه إلى عملية إخلاء ولم يكن غريبًا أن تعترف بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن هذا الكمين هو “الأصعب” منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، لأنه لم يكشف فقط عن ثبات المقاومين، بل عن براعة متطورة في استخدام الأنفاق والكمائن المركبة
لكن المفارقة العجيبة أن هذا الكمين وقع في حي الزيتون، الحي الذي سوّق الاحتلال سقوطه كرمز لانتصاره “الميداني” فقد قُدّر حجم الدمار فيه بنحو 400 منزل، مع نزوح أكثر من 90 ألف شخص تحت القصف، حتى تحولت مدارس الإيواء وملاجئ النازحين نفسها إلى أهداف جوية لإجبار السكان على النزوح جنوبًا ورغم أن الجيش الإسرائيلي كان يسيطر على المنطقة منذ أسبوعين، واستخدم سياسة “الأرض المحروقة” وأطنان المتفجرات لتدمير الأنفاق، فإن المقاومين خرجوا فجأة من باطن الأرض، ليهتفوا بيقين بما أنزله الله في قرآنه “فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ “الزمر (50)
هذا الفشل لا يدل إلا على أن الجيش الإسرائيلي يعيش أزمة مركبة منها تآكل البنية التحتية والآليات، ضعف النفسية القتالية، تصدّع في العلاقة بين السياسيين والعسكريين، وانهيار متدرج في المعنويات فمن يراقب تفاصيل المشهد يدرك أن تل أبيب تُدير حربًا بلا بوصلة، أشبه ما تكون براقصة عجوز تحاول أن تؤدي رقصة النار، فتُحرق نفسها قبل أن تُبهر الجمهور
رحيل الصوت وبقاء الفكرة
ووسط هذا المشهد الباهر، اختتمت غزة يومها بصفحة دامية: اغتيال «أبو عبيدة»، الناطق الرسمي باسم كتائب القسام، في غارة جوية استهدفت شقته في حي الرمال بمدينة غزة يوم 30 أغسطس 2025. (رغم ان الخبر لم تؤكده الكتائب حتى الان ) الرجل الذي خرج إلى العلن أول مرة في يونيو 2006، ليعلن عن عملية “الوهم المتبدد” وأسر الجندي جلعاد شاليط، رحل شهيدًا بعد أن أصبح أيقونة للمقاومة وصوتها الأكثر حضورًا وهيبة قال تعالي {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ال عمران 169
سواء أكانت عملية الاغتيال حقيقية كما أكدها الجانب المغتصب أم لا كما صرح بيها جانب حماس فهل يظن نتنياهو أن اغتيال رجل ملثم سيُسقط الفكرة، لكن التاريخ له رأي آخر الرجال يرحلون، والأفكار لا تُدفن لقد حاول من قبله فرعون أن يُذبح أبناء بني إسرائيل ليكسر الروح، فانتهى به الأمر جثة طافية على وجه البحر، تتلى قصته في كتاب الله إلى قيام الساعة واليوم يحاول نتنياهو أن يكتب فصل “إسرائيل الكبرى”، فإذا بالفصل ينقلب إلى كوميديا سوداء، تُدرّس يومًا ما في كتب التاريخ تحت عنوان: “كيف هزم مقاتلو الأنفاق جيوش الأبراج الذكية؟“ وإلى اللقاء في معارك اخري
السفير د. أحمد سمير
عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة
السفير الأممي للشراكة المجتمعية
رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية