الصراط المستقيم

إن الله معنا

كتب:هاني حسبو.

قاعدة قرآنية عظيمة جاءت على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم لرفيق الهجرة والصحبة صديق هذه الأمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يهون عليه مشاق الهجرة وخطورة الموقف.لندع القرآن يحكي لنا هذا المشهد الفريد:

“إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ التوبة 40

فاستشعار معية الله عزوجل من أعظم الأمور التي تعين العبد المسلم على الصبر على الابتلاءات والمحن وتجاوز العقبات التي تحدث له وهو في طريقه إلى الله عز وجل.

واستشعار هذه المعية ومحاولة استجلابها أعظم درس نخرج منه من ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولتتضح الفكرة أكثر لابد من “ضبط” و”تحرير” مفهوم “المعية” أولا حتى نستطيع استجلابها والمعيشة في ظلالها.

معية الله لخلقه تأتي على نوعين :الأول:معية عامة وهي تشمل جميع الخلق وهي تعني  أن الله سبحانه وتعالى معنا بعلمه أينما كنا قال تعالى: “يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”سورة الحديد:4 رقيب علينا، شهيد على أعمالنا أينما كنا في بر، أو بحر، أو جو، أو ليل، أو نهار، أو حضر، أو سفر، أو بيت، أو قفر.

“يعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ “سورة الأنعام:3.

“يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور”ُسورة غافر:19 “سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ”سورة الرعد:10.

الثاني:معية خاصة وهي للمؤمنين بنصره وتأييده كما قال الله لموسى وهارون: “إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرى “َىسورة طه:46”.

وهو مع المتقين، ومع المحسنين، ومع الصابرين، فمن يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، قال بعض السلف لأخيه: “إن كان الله معك فمن تخاف، وإن كان عليك فمن ترجو؟”، وهذه هي المعية التي يدافع الله بها عن المؤمنين، وهي المعية التي كان الله بها مع نبيه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه في الغار: ((يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) ، لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ  معنا ، وهي معية النصرة والتأييد، مؤنسة مطمئنة، مذهبة للخوف، والوجل، والرعب.

ومن البديهي جدا أن يبذل المؤمن جهده ويستفرغه في سبيل الحصول على النوع الثاني لأنه يعني التأييد والنصرة حتى يستطيع أن يحيا حياة طيبة مطمئنة.

وكذلك الحال بالنسبة للمجتمعات إن أرادت “النهضة” والتقدم والرقي فمن كان الله معه فلن يضره أحد.

أول أسباب استجلاب معية الله عز وجل:الإيمان……ودائما يأتي الإيمان على رأس كل خير وكل فضيلة يقول الله عز وجل:

“وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ”الأنفال19.

فمتى حصل الفرد أصل الإيمان وتبعه بمقتضياته وشروطه ولوازمه كان في معية الله.

وتأتي التقوى كسبب رئيسي من أسباب استجلاب معية الله عز وجل قال الله تعالى:

” وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ” البقرة 194.

” إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ”النحل128.

فمتى وضع الفرد والمجتمع بينه وبين عذاب الله وقاية وعمل بطاعة الله على نور من الله يرجو رحمة الله فهم في معية الله ويستحقون النصرة والتأييد.

وتدل آية سورة النحل الفائتة على أن الإحسان من أسباب تحصيل معية الله سبحانه وتعالى ويشمل الإحسان في المعاملة مع الله كما دل على ذلك حديث جبريل حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تعريف الإحسان فقال النبي صلى الله عليه وسلم”الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك”

كما يشمل الإحسان في معاملة الخلق.

والصبر من أسباب تحصيل معية الله الخاصة وذلك لقول الله تعالى:

” إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”البقرة153.

فمن كان صابرا كان الله مؤيده وناصره ومعه.

والدعاء من أعظم أسباب تحصيل معية الله سبحانه فيقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة:

“قال الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا دعاني” رواه أحمد.

ومن الآيات الجامعة التي تلخص أسباب المعية ما قاله الله سبحانه وتعالى:

”  وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ” المائدة12 ، وعدهم المولى بمعيتة ( وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ) ، ولكن علقها سبحانه على شرط ( لَئِنْ ) إن تحقق تحققت لهم المعية وإلا فلا ، لخصها المولى هنا في أربع ، ( أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ ) ، ( وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ ) ، ( وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ) ، ( وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ) .

ونختم هذا الحديث عن تلك المنزلة العظيمة التي يعطيها الله سبحانه لمن يرضى عنهم ويحبهم بهذا الموقف المشهود لكليم الله ونبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كما صوره لنا القرآن الكريم:

“فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ  قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ  فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ”الشعراء 63:61

فكان استشعار نبي الله موسى لمعية الله مع تحقيقه شروطها واستجلاب أسبابها سببا في نجاته وقومه من بطش فرعون وجنوده.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.