أراء وقراءاتشئون عربيةفلسطين

‏اغتيال سعد: ما بين ردّ القسّـ.ـام وصمته

 

ليس الصمت دائمًا علامة عجز، ولا يكون الردّ دائمًا صوتًا مسموعًا في لحظته. في الحروب الطويلة، تتحوّل المعركة من فعلٍ مباشر إلى إدارة زمن، ومن إطلاق نار إلى تثبيت معادلات. من هنا، يصبح السؤال بعد اغتيال سعد: هل صمت القسّـ.ـام تراجع، أم إعادة تموضع؟

 

من يراقب المشهد بسطحية قد يظن أن القسّـ.ـام، المنهك في غزة، فقد زمام المبادرة. لكن القراءة الأعمق تكشف أن ما يجري ليس فراغًا في الرد، بل توزيعًا للثقل. فالتجربة التاريخية للمقاومة تقول إن الساحة الواحدة لا تختصر المعركة، وإن استنزاف الجبهة المركزية لا يعني تعطيل بقية الجبهات.

 

القسّـ.ـام، وإن خاض في غزة واحدة من أعنف مراحل الاستنزاف، لم يُبنَ يومًا كقوة محصورة بالجغرافيا. فالفكرة التي حملها لا تُقصف، والبنية التي تشكّلت عبر سنوات لم تكن رهينة مكان. ولهذا، فإن الصمت في غزة لا يعني بالضرورة خمود النار، بل قد يكون انتقالها إلى حيث لا يتوقّع المحتل.

 

الاحتلال يراهن دائمًا على إنهاك الخصم حتى الانطفاء، لكنه كثيرًا ما يغفل أن الإنهاك قد يولّد تحوّلًا في شكل المواجهة لا نهايتها. فحين تُضغط غزة إلى أقصى حدودها، تبدأ النار بالبحث عن هواءٍ آخر، وتجد طريقها خارج الأسوار.

 

ما يقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ليس الردّ الفوري، بل الردّ المؤجّل. ليس الصاروخ الذي يُطلق الآن، بل ذاك الذي يُحسب له ألف حساب قبل أن يُطلق لاحقًا. فالتاريخ علّمهم أن بعض الضربات لا تأتي للثأر، بل لتغيير قواعد اللعبة.

 

من هنا، فإن اغتيال سعد قد يكون لحظة اختبار، لا للقسّـ.ـام وحده، بل للاحتلال نفسه:

هل يملك رفاهية الاطمئنان؟

وهل يستطيع الجزم أن الساحات الأخرى ستبقى باردة؟

 

الوقائع تقول إن النار التي أُشعلت يومًا لا تُطفأ بسهولة، وإن المجاهد الذي يُحاصر في غزة قد يمتدّ أثره خارجها، سياسيًا وأمنيًا ومعنويًا. فالمواجهة لم تكن يومًا محصورة ببندقية واحدة، ولا بجبهة واحدة، ولا بزمن واحد.

 

قد يصمت القسّـ.ـام اليوم، لكنه صمتٌ مشحون، صمت من لا يطلق النار عبثًا، ومن يعرف أن الزناد لا يُضغط دائمًا، لكنه يبقى مشدودًا. وفي معارك الوجود، يكفي أن يبقى مشدودًا… حتى يحين الوقت.

مختارة من حساب “معاذ حسن” على منصة x.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى