الفن والثقافة

الآخر

قصة قصيرة / بقلم د. محمد جابر

التقطت أنفاسى  ….ألقيت برأسى على الكرسى الجلدى  وأنا لا أصدق أنى  ركبت القطار الذى يعدو مسرعا إلى الأسكندرية فى آخر لحظة …تلفت حولى لم أجد أحدا يجلس فى الكرسى المقابل  أو أمامى أو  خلفى…تبسمت  أستطيع الآن أن أصدر شخيرا بلا لوم.

أخذت أحدق فى الأشجار التى تعدو وتهرب إلى وراء  حتى آذنت شمس جفونى بالغروب  وسقطت فى فوهة بئر قاتمة.

سمعت صفيرا يأتى من بعيد …. رائحة عطرة تتلمس أنفى فى رقة …  فتحت جفونى لأجد إمرأة أربعينية بيضاء ترتدى تاييير أنيق وردى اللون تنظر إلى وتبتسم.. فركت جفونى  ….وبدأت  الحديث.

  • مساء الخير يا هانم

لم ترد إلا بإبتسامة

-أنا آسف

-على إيه

-أعتقد إن صوت شخيرى كان عالى شويه

تبسمت ثانية وهزت رأسها موافقة  ساعتها شعرت أني أتصبب عرقا

-اسف مرة تانية   …أنا ح اشوف مكان تانى بعيد

-لا أبدا الموضوع بسيط خالص …أنا متعودة على كده

-على أى حال أنا ح أبقى صاحى ومش ح أنام

-على راحتك  تركتنى وأمسكت بكتاب صغير تقرأ فيه

هاجمنى وابل من الأفكار    ترى من تكون ؟ ولماذا تبدو مألوفة لى هكذا؟

حاولت أن أفتح فمى بكلمات…أوقفتنى   ووضعت أصبعها على شفتيها المكتنزتين

لم أجد إلا أن أغفو ثانية  واترك لها إبتسامة تجلس على شفتى

من خلف جفونى تراءت لى ثانية  تمسك بيدى …نجول بين أطياف تهيم….أشارت بيدها إلى أفق وردى بعث بسكون دغدغ الفضاء من حولى.

هبطت يد قوية على كتفى أطاحت بكل ما سبق …  فتحت عيونى لأجد إمرأة بدينة ترتدى ثوبا أسود كالح  تضع على رأسها قطعة قماش لا لون لها  وأخذت تهزنى بقوة

-محمود…قوم ياراجل  ..  احنا خلاص وصلنا سوق روض الفرج

محمود   محمود  مين؟

ياراجل فوق بقى….       هو انت كل ما تتنيل ترمى راسك على الشوال تتوه كده

افوق افوق من ايه؟

انت لسه فاكرنى ياراجل؟

طبعا   طبعا    بس ممكن تفكرينى

يا خرابى  أنا فتحية مراتك يا دهول  فتحية اللى بتقف ورا عربية الكشرى طول النهار علشان تطفحك السم الهارى انت وعيالك الاربعة

أه  أه فتحية….فتحية مين؟

هوت المرأة على صدغى الايمن بكفها  فإذا بأضواء تلهو أمام مقلتى … هربت المرأة الأنيقة ذات الكتاب وهى تصرخ…بينما تجمع الناس من حولنا     ليجدوا زوجتى فتحية تولول كما تفعل كل مرة…..ثم ساد الصمت   وذهب كل من أتى  …مدت أم  العيال كفها الخشن  وهى دامعه

-أنا آسفة يا محمود   بس أنت السبب

هززت رأسى موافقا  أعطيتها كفى وابتسمت ثم إعتمدت على ذراعها لأهبط من فوق عربة الكارو.

د.محمد جابر صدقي 

طبيب وأديب ومترجم 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى