أراء وقراءات

الأخلاق سبيل المتقين

 

بقلم / حاتم السروي

عندما تصبح الأخلاق دلالةً على الرجعية ويكون الرفق مظهرًا لضعف الشخصية فارفع يديك إلى السماء واطلب من مولاك الرحمة لنفسك ولأهلك ولعامة المسلمين.

ولست أدري حتى الآن أين ذهبت ملكة التفكير عندنا فبتنا لا نعرف الفرق بين الحلم والحكمة من جهة والضعف والذل من جهةٍ أخرى، ولماذا أصبح الغضب هو القاعدة وأصبح ضبط النفس هو الاستثناء؟؟ ولماذا لا نقرأ عن الإسلام حتى نعرف اهتمامه الشديد بالأخلاق الحسنة؟ بل السؤال الأولى والأهم هو لماذا لا نقرأ عن الإسلام وهو ديننا؟!.

يحدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه وكان خادمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: ” ما مسست ديباجًا ولا حريرًا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحةً قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمته عشر سنين؛ فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلتُه: لم فعلتَه؟ ولا لشيءٍ لم أفعلْهُ: ألا فعلتَ كذا؟ “. متفقٌ عليه.

فهل كان يتوجب على رسولنا الأكرم – وهو معلمنا ومعلم الناس الخير- أن يصيح في وجه أنس رضي الله عنه ويوبخه ويسمعه كلامًا جارحًا حتى لا ينعته السفهاء من الناس ولا يصِمُونَهُ بضعف الشخصية؟! لقد وصل البعض منا إلى درجة من الوعي والإدراك تثير فينا الشفقة عليهم؛ ثم تلم بنا الشفقة أكثر فأكثر عندما تعاودنا ذكرى آبائنا الريفيين وما كانوا عليه من العقل الراجح والرزانة والوقار والفهم الصائب والحديث الذي كان يشنف الآذان بحسن معانيه وترتيبه وعمقه ورصانته وألفاظه البليغة حتى وهم يتسامرون بينهم ويتكلمون بالعامية، غير أن عاميتهم كانت أفصح من عاميتنا، ولا أبالغ أبدًا حين أقول أن مداركهم أوسع وثقافتهم أرقى رغم أن أغلبهم لم يتعلموا في المدارس النظامية، والبعض منهم لم يكمل تعليمه، لكن العلم بحكمة النفوس لا بكثرة الدروس، ومن لم يكسبه علمه عملًا فهو كالجاهل سواءً بسواء.

وماذا يقول البعض في هذا الحديث الذي رواه مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه حيث قال: ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشَجِّ عبد القيس: ” إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحِلم والأناة ” فهل كان هذا الصحابي ضعيفًا هو الآخر؟! وهل يتوجب علينا أن نصير (بلطجية) حتى لا يشير إلينا من نعرفهم ومن لا نعرفهم ويلقون علينا تهمة الجبن والخوَر؟. وتلفت نظري كلمة “سبع” التي أسمعها كثيرًا، وهي تقال عندنا في معرض المدح والثناء، مع أنها ذكرت في الحديث الشريف على جهة الذم في قوله عليه الصلاة والسلام: ” فيبقى شرار الخلق في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرا  ” وهو جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه برقم 2940، وتجده أيضًا في رياض الصالحين للنووي رحمه الله برقم 1819(كتاب المثورات والمُلَح، باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها).

وقال النووي رحمه الله في شرح هذه العبارة: ” قال العلماء: معناه يكونون في سرعتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات والفساد كطيران الطير، وفي العدوان وظلم بعضهم بعضًا في أخلاق السباع العادية”(بتخفيف ياء العادية).

وهذا الحديث وإن كان قد ورد عن بعض ما سيحدث في آخر الزمان وقبل قيام الساعة بقليل إلا أن أحلام السباع المذكورة هي الآن أمرٌ واقع، ولا أفهم ولا يفهم غيري ما وجه المدح في وصف البعض للشاب أو الرجل بأنه سبع؟! إنهم بهذا كمن يمدح رجلاً فيقول عنه إنه (حيوان) فإلى أي حد وصلنا بالله عليكم؟ وهل كنا نتصور أنه سيأتي يوم تقال فيه كلمة ” طيب ” للتنقص والازدراء، وكلمة سبع التي هي بمعنى حيوان تقال مدحًا وثناءً، والسؤال الذي يطرح نفسه تلقائيًا بعد هذا: هل يتوجب علينا أن نصير حيوانات حتى نجد الثناء؟!.

إن الإسلام جاء عامًا شاملًا يخاطب جميع الفئات في كل زمان وأي مكان، وهو لم يأت ليساير أهواء الناس في القرن الحادي والعشرين، وإنما جاء ليُقَوِّمَهُم ويصوب نظرتهم للأمور؛ فإذا كانت الرحمة والرفق علامة عند البعض على التخنث فإنهم ولا شك لا يعرفون الرجولة، ولا يعرفون أن الله رفيقٌ يحب الرفق في الأمر كله كما أخبرنا الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.

والغريب حقًا أن كل ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الرديئة يقع الآن جهرةً وعيانا؛ فكأن البعض يسير خلاف السنة عامدا، والظاهر أن هذا ليس من المعاندة بل هو من الجهل الشديد، وعلى سبيل المثال: ينتشر الآن بين الكثيرين مفهوم “الجدل” فترى البعض يتجادلون في أي شيء وكل شيء؛ حتى أنهم يتجادلون في الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة، أو بين الأشاعرة والحنابلة، والمشكل أنهم ليسوا من أهل العلم بالعقائد، بل ولا يستطيعون أن يقيموا حرفًا من كتاب الله، ولا يحفظون منه إلا قصار السور حتى يصلوا بها، وإذا سألتهم عن معانيها فروا منك فرارهم من الأسد، أو ربما غيروا مجرى الحديث وهذا في أحسن الأحوال، وبعد هذا كله يخوضون في خلافٍ قديم بين فئتين من العلماء، وهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولا يعرفون السماء من العماء.

نحن نعيش في مهزلة، ولا أجد من الكلمات ما أزين به وجه الواقع، ولن يعفينا الأدب من قولة الحق، والحق أن سوء الخلق من نقص الإيمان، ألم تسمع أو تقرأ هذا الحديث الذي في سنن الترمذي: ” أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقا، وخياركم خياركم لنسائهم”.

وإذا كان اللين لا يليق بالرجال فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على خطأ وهو يقول: ” ألا أخبركم بمن يَحْرُمُ على النار أو بمن تَحْرُمُ عليه النار؟ تحرم على كل قريب هينٍ لينٍ سهل” والحديث واضح ولا يحتاج إلى شرح، وإنما هو الذي يشرح لنا أننا نعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ونبارز ربنا بالمعصية، فهو عز وجل يأمرنا بالمرونة ونحن نصعب كل شيء في تعاملاتنا حتى أصبح الاكتئاب هو مرض العصر؛ والسبب سوء الخلق.

فهل من عودة إلى عاداتنا الأصيلة، هل من عودة إلى ميراث الآباء والأجداد، وإلى الإسلام الصافي؟ وأقول عودة رغم أن البعض يحسب هذه العودة رجعية، ولكن الفرق لا يزال قائمًا بين العودة والرجعية وسوف يظل، فالعودة إنما تكون للأصالة، والرجعية هي ما نحن فيه، لأننا رجعنا إلى ما قبل التاريخ، ومنذ متى كان التقدم هو الجرأة التي تصل إلى الوقاحة، بالإضافة إلى القسوة وانتشار الحقد والغل وبسط الأيدي بالسوء وإطلاق اللسان بالفحش والبذاءة، والجفاء الظاهر بين الناس.

وفي الختام أطالب كل من يتصدى للتوجيه والإرشاد بحكم عمله كمعلم للناشئة أو أستاذ جامعي أو خطيب مسجد أو مذيع في القنوات الفضائية، أطالب وأناشد كل هؤلاء أن يضعوا الأخلاق نصب أعينهم؛ فيجعلونها محور حديثهم بدلاً من الخوض في النقاشات الفكرية؛ فواقعنا لا يحتمل تقاذف الآراء، وإنما يحتاج إلى إصلاح اجتماعي عاجل؛ فهل من يستجيب؟ نأمل في ذلك.

حاتم السروي
كاتب صحفي وأديب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.