” كان نفوذ الأزهر يصل أحيانا إلى التأثير على سياسة الدولة العليا ، وأحيانا في مصائر العرش والسلطان ” وردت هذه العبارة بالنص في كتاب ( مساجد مصر) للدكتورة سعاد ماهر.
وتؤكد الوثائق التاريخية صدق هذه المقولة .فلما اشتد الغلاء وضج الناس بالشكوى، ذهب الإمام أحمد العروسي شيخ الأزهر خلال الفترة من ( 1778 -1793 ) إلى الوالي حسن باشا واتفق معه على وضع تسعيرة للخبز واللحم والسمن، وخرج المحتسب ليعلن في الأسواق السياسة التموينية الجديدة ويهدد من يخرج عليها، فزالت الغمة.
ويتجلى دور الأزهر في تعيين الحكام لمصر في مواقف الشيخ عبد الله الشرقاوى، الذى تولى مشيخة الأزهر فى الفترة من 1793 إلى 1812 وقاد المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي. ويقول الدكتور عبد المقصود باشا، أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهرأنه شكل جبهة من علماء الأزهر وقفت فى مواجهة ديكتاتورية الاحتلال الفرنسى، وانضم معه فى هذه الحركة آلاف المصريين. وبعد رحيل الحملة الفرنسية عانت البلاد من ظُلم العثمانيين والمماليك، وهاج الشعب وكثر قطاع الطرق، وأصبحوا يسرقون ويستبيحون الحرمات، فثار الناس ولجأوا للشيخ الشرقاوى، فقاد مجموعة من علماء الأزهر وجموع الشعب خلفهم، معلنين عزل الوالى خورشيد باشا، وتولى محمد على وهو ما وافق عليه السلطان العالى.
وتروي الوثائق التاريخية أن اللورد كرومر مندوب الاحتلال دخل على الشيخ الأنبابي شيخ الأزهر خلال الفترة( 1886حتى عام 1895) وسلم عليه، فيرد الشيخ التحية وهو قاعد، فيعظم اللورد قعوده، ويقعد إلى جنبه، وقال له مغضبًا: يا سيدنا الشيخ، ألست تقوم للخديوي؟ قال: نعم. قال: فلم لم تقم لي؟ قال: إن الخديوي ولي الأمر، وأما أنت فلست منا. ووصلت تلك الواقعة الى عامة الشعب فكان لها اثرها الطيب في مقاومة الاحتلال.
هذا الدور القيادي للأزهر وللعلماء يعود الى تاريخ طويل فعندما تولى الشيخ العز بن عبد السلام منصب قاضي القضاة في مصر عام( 639 ﻫ – 1241 م) في عهد السلطان الصالح ايوب اكتشف الخلل في الإدارة والسلطة، وأن القادة الأمراء من المماليك، ولم يثبتْ عند الشيخ أنهم أحرار، وبالتالي فإن الحكمَ الشرعي عدم صحة ولايتهم من جهة، وعدم نفوذ تصرفاتهم الخاصة والعامة من جهة ثانية . واشتعلت مصر بغضب الأمراء الذين يتحكمون في كل المناصب الرفيعة، حتى كان نائب السلطان مباشرة من المماليك، وجاءوا إلى الشيخ العز بن عبد السلام، وحاولوا إقناعه بالتخلي عن هذه الفتوى، وحاول السلطان أيضا فلم يفلح واصر على قول الحق وهو” كي يتولى هؤلاء الأمراء مناصبهم فلا بد أن يباعوا أولاً، ثم يعتقهم الذي يشتريهم، ولما كان ثمن هؤلاء الأمراء قد دفع قبل ذلك من بيت مال المسلمين، فلا بد أن يرد الثمن إلى بيت مال المسلمين”، ووافق الصالح أيوب.
وتجلى دفاع العلماء أيضا عن عامة الشعب في موقف اخر للعز بن عبد السلام في مواجهة السلطان سيف الدين قطز، فعندما احتاج السلطان إلى أموال للإنفاق على إعداد المعركة لمواجهة التتار الذين كانوا على ابواب مصر، وحاول فرض ضرائب جديدة على الناس، اعترض العز بن عبد السلام وقال له : “قبل أن تفرض ضرائب على الناس عليك أنت والأمراء أن تقدموا ما تملكونه من أموال لبيت مال المسلمين، فإذا لم تكف هذه الأموال في الإعداد للمعركة، فرضت ضرائب على الناس”. ووافق السلطان ولم يتجج السلطان أو غيره بالاستعداد لمقاتلة التتار وبان مصر تمر بمرحلة استثنائية ولم يكن لتلك الظروف أي صدى لدى الشيخ تدفعه ليبرر للحاكم اثقال كاهل الشعب بالضرائب.
وسيظل يروى التاريخ بحروف من نور واقعة زيارة رياض باشا، وكان رئيس الحكومة المصرية، وناظر المالية لمدرسة دار العلوم، وكان الشيخ حسن الطويل مدرسًا فيها. وبمجرد الرئيس بادره الشيخ من آخر القاعة قائا له: يا باشا، أما آن لكم أن تجعلوني معكم ناظرًا؟ فيدهش الباشا ويقول: ما هذا يا شيخ حسن؟ فيقول: ما تسمع يا باشا؟ قال: فأي نظارة تريد؟ قال: المالية. قال: لماذا؟ قال: لأستبيح أموالها، فذعر الباشا وخرج يرتجف، وقال لعلي مبارك باشا ناظر المعارف: لا بد أن تخرج هذه الرجل من خدمة الحكومة. ورد مبارك موضحا مكانة العلماء : كيف وماذا أصنع مع علماء الأرض وهو عالم عالمي.