أراء وقراءات

الأطلال على شفاه غزة … حين يتحوّل الغناء إلى صرخة

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير

في زمنٍ يعلو فيه الضجيج وتختلط فيه الألوان، تظل أغنية “الأطلال” لأم كلثوم كالعطر العالق في الذاكرة، تحمل بين أنغامها مزيجًا من الفرح والألم، وتستحضر مشاعر إنسانية لا تسعها الكلمات. لكنها اليوم، في غزة، لم تعد مجرد أغنية كلاسيكية تُردد على المسارح، بل تحوّلت إلى مرآة تُجسّد وجعًا حقيقيًّا، وصرخةً تخرج من بين الأنقاض.

الأطلال التي تنبأت بالمأساة

تبدأ الأغنية بكلماتٍ عن الفراق والحنين، وكأنها كُتبت لتصف حال غزة اليوم. ففي الوقت الذي يُغنّي فيه العالم عن الحب واللقاء، يقف أهل غزة على أطلال منازلهم، يفتشون بين الركام عن بقايا حياة، عن صورة، أو ذكرى، أو حلم لم يكتمل. الأطلال هنا ليست مجازًا شعريًا، بل واقعٌ دامٍ يُكتب بلغة الحصار والقصف والفقد.

حين يتحول اللحن إلى نحيب

“أطلال” أم كلثوم التي طالما هزّت القلوب، أصبحت في غزة صوتًا للأنين، لا للطرب. الكلمات تُنزف، واللحن يتكسّر على وقع الانفجارات. الأمهات لا يتغنين، بل يندبن أبناءً لم يعودوا، والأطفال لا يحلمون، بل يختبئون في زوايا الحطام. في كل زاوية من المدينة قصة حب لم تكتمل، وابتسامة خُنقت تحت الردم.

من المسارح إلى تحت الأنقاض

لم تعد الأغاني تُغنّى في غزة كما في باقي العواصم، بل تُبث من تحت الأنقاض. تغنيها أمٌ مكلومة بصوتٍ متهدّج، وطفلٌ لم يعرف سوى الحرب، لكنه ما زال يحمل نغمةً خفية تشبه الأمل. إن “الأطلال” لم تعد نشيد الحب الضائع، بل نشيد الصمود، رسالة مقاومة، وصلاة حياةٍ تبحث عن فجر جديد.

نغمة الأمل وسط الركام

رغم كل شيء، ما زال في غزة متّسعٌ للغناء. نغمة بسيطة، خافتة، لكنها صادقة. في قلب الدمار، هناك شمعةُ حلمٍ لا تنطفئ، وقلبٌ يؤمن بأن الغد قد يحمل لحنًا جديدًا. فهل نُصغي لهذا الصوت وسط ضجيج العالم؟

السفير د. أحمد سمير
عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة
السفير الأممي للشراكة المجتمعية
رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى