الأكاديميات بين الموهبة والوهم الكبير

بقلم/ حسن السعدني
في كل بيت بات هناك حلم صغير، يرتدي حذاءً رياضيًّا، ويحمل كرة، ويُجيد المراوغة…
حلم اسمه “محمد صلاح”.
حلمٌ يلهث خلفه الأب قبل الابن، وتُشجعه الأم بحماس، ويُصفّق له الجيران والأقارب.
لقد أصبحت الأكاديميات الرياضية محطَّ أنظار الأسر، وملاذَ الآباء والأبناء، وطريقًا يبدو معبّدًا بالنجومية والمجد.
لم يعد غريبًا أن ترى طفلًا صغيرًا، بالكاد يخطو خطواته الأولى في الحياة، يُزجُّ به إلى ملاعب الأكاديميات، تُعلّق عليه آمال الأسرة، وتُنسَج حوله أماني الجميع… نحو الشهرة، والمال، والنجاح… أو هكذا يظن البعض:
“ابنُنا سيكون محمد صلاح الجديد!” ” مو صلاح”
فالأكاديميات الرياضية اليوم لم تعد مجرد نشاط ترفيهي، بل صارت بوابة أمل تُفتح على مصراعيها نحو الأندية الكبرى.
لكن خلف هذا الحلم البراق، تختبئ أسئلة صعبة، وتفاصيل مرهقة، وقرارات قد تغيّر مسار عمر بأكمله…
ولا عجب، ففكرة الأكاديميات الرياضية – في ظاهرها – نبيلة؛ أن يمارس الطفل رياضة تحبب إليه النظام، وتبني جسده، وتصقل روحه، وتكسر حاجز الخجل، وتُربي فيه العزيمة والانضباط. بل إنها ضرورة في زمن طغى فيه الجلوس أمام الشاشات، وانحسرت فيه الحركة، وتجمدت فيه الطفولة خلف أزرار الأجهزة.
لكن المشكلة لا تكمن في الأكاديميات، بل فيما بعدها…
حين يتحول الحلم إلى سُعار،
ويبدأ “الكابتن” في بثّ الأمل:
“ابنك هايل… لازم يروح اختبارات نادي كذا… دا مشروع نجم!”
فيتلألأ الحلم في عيني الأب، وتشتعل شرارته في قلب الأم، ويُسحب الطفل من مقعد الدراسة إلى طريق طويل لا يعرف استراحة…
وهنا تبدأ الحيرة:
هل الابن مستعد حقًّا؟
هل يملك من المهارة ما يجعله ينافس في بحرٍ مملوء بالحيتان؟
هل نملك القدرة على المواظبة على السفر والإنفاق؟
بل الأهم: هل نُحسن التوازن بين العلم واللعب؟ بين التعليم والتدريب؟ بين القلم والكرة؟
إن ما يغيب عن أذهان الكثيرين أن عالم الأندية ليس نزهة، ولا ملعبًا مفتوحًا لكل من ارتدى الحذاء الرياضي وأتقن بعض المهارات.
إنه ساحة شرسة، لا ترحم الكسالى، ولا تلتفت للمجاملات، ولا تُملَى فيه الشروط، بل تُفرض فرضًا.
وفكم من أب خسر نفسه ووقته وماله، وأضاع ابنه بين محطة وأخرى، ظنًّا أنه يصنع نجمًا، فإذا به يصحو على طالبٍ مهزوز، لا هو ناجح في دراسته، ولا مؤهل لأن يكون لاعبًا!
وكم من طفل كره الملعب، لا لشيء، إلا لأنه حُمّل ما لا يحتمل، وفُرضت عليه أحلام غيره، وظل يلهث وراء توقعات لا يطيقها قلبه ولا عقله.
أيها الآباء…
الرياضة رائعة، نعم.
والأكاديميات مفيدة، قطعًا.
لكن لا تجعلوها مسرحًا لخيبتكم أنتم ، أو سلّمًا لأمنيات لم تتحقق لكم.
راقبوا أبناءكم… اسألوهم:
هل أنتم تحبون ما تفعلون؟
هل أنتم مستعدون للسير في هذا الدرب؟
هل أنتم قادرون على التضحية؟
ثم اسألوا أنفسكم:
هل نملك ما يكفي من الصبر والدعم والتوازن، حتى لا يضيع الابن بين رغبتنا نحن، وعجزه هو؟
إن التعليم لا يعارض الرياضة، بل يكملها…
والعقل لا ينفصل عن الجسد، بل يقوده…
والموهبة إن لم تُصَن بالعلم، ضاعت في أول مطب.
فلنُحسن الموازنة، ولنُعطِ لكل شيء قدره،
ولنتذكر دائمًا: ليس كل من يلعب نجمًا، ولا كل من يُختَبر ناجحًا، ولا كل حلم يُكتب له الاكتمال.
فلا تُحمّلوا أبناءكم وزر طموحاتكم،
ولا تزرعوا فيهم أحلامًا ليست لهم،
بل امشوا بجوارهم، لا أمامهم…
واسألوا الله التوفيق،
ثم دعوهم يختارون الطريق.