أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

الإسلام طوعاً وكرهاً: تأملات بقلم د. أمين رمضان

الإسلام طوعاً وكرهاً: تأملات بقلم د. أمين رمضان 2
آيات الله في كونه

قضيت أكثر من نصف عمري في مجال علوم الأرض، طالباً وباحثاً ومدرساً، وهي العلوم التي تهتم بتاريخ الأرض، منذ نشأتها الأولى إلى الآن، ثم إمكانية التنبؤ بأحداثها المستقبلية، التي يمكن أن تحدث بناءً على المعرفة البشرية المتراكمة، وتهتم أيضاً هذه العلوم بمكونات الأرض المادية وقوانينها الطبيعية التي تحكمها، وهي في الحقيقة دلائل عندما نتأمل ما وراءها.

عشت سنوات أتأمل عالم المعادن والصخور والزلازل والبراكين، وغيرها من الظواهر الكثيرة التي تحكم الأرض، والعجيب أن تاريخ الأرض مكتوب على صفحاتها وبأقلامها، لكنه يشبه ألعاب الألغاز، التي تحتاج تجميع أجزاءها، المتفرقة تاريخياً وجغرافياً، معاً بحيث تعطي صورة أقرب للحقيقة عن ماضيها الذي لا نعرفه.

شعرت خلال هذه الرحلة أنني أعيش في رحاب صرح رباني تصرخ آياته بالوحدانية، وقوانينه بالدقة والثبات، فلا تتغير ولا تتبدل، وتدين مخلوقاته بالخضوع لناموس واحد، خاضعة كلها له، أو مستسلمة له، بل كنت أرى العلاقات بين الأشياء تدعو للدهشة، عندما أقارنها بالإنسان وعالمه.

ظللت في حيرة مع نفسي حتى قرأت هذه الآية من سورة آل عمران {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) آل عمران}، توقفت كثراً عند ” وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا”، واستمعت أخيراً لصديق لي يتحدث عن الكون، وكيف أنه مسلم لله، من خلال قوانين وسنن ربانية وخصائص أودعها الله سبحانه وتعالى في جنبات الكون، ليحيا في إحكام واتقان وانتظام وتسخير وفق هذه السنن الربانية، حتى أن الكون كله يمكن أن يكون محراباً لعبادة الله، ولعل هذا هو الإكراه الذي ذكرته الآية عن ماهية هذا الاستسلام لله.

وكذلك الإنسان، خلقه الله على فطرة حاكمة على كل نفس، ليتسق بالاستسلام لها مع سائر الكون، ولكن كما هداه الله طريقي الخير والشر والتمييز فطرةً بينهما، فقد أعطاه الله سبحانه وتعالى حرية الاختيار، وزوده بعقل قادر على اكتساب مهارات التفكير العليا، ومن ثم يمتلك القدرة على التفكير المجرد، ليتأمل عالم الأشياء المستسلم لله الذي يعيش فيه، يتعرف على آياته، وسننه، وقوانينه، فيصل إلى مفاهيم تجعله يسلم لفطرة الله اختياراً، وهذا الطريق متاح لكل الناس.

والطريق الثاني ينطلق من الوحي، في رحلة يدعو فيها المؤمن للتفكر في آيات الكون، تماماً كما يتدبر آيات القرآن، رسالة الله سبحانه وتعالى للعالمين، المحفوظة بحفظ الله لها، والتي تدفع الناس جميعاً لتأمل الآيات المقروءة والآيات المنظورة؛ ليدركوا أن الخالق الذي خلق الكون كله على سنن لا تبديل لها ولا تغيير، قد خلق الإنسان كذلك على فطرة يتناغم بالإسلام لها مع منظومة الخلق كلها صلاحا وإصلاحا.

لحكمة ربانية، جعل الله سبحانه وتعالى إسلام الإنسان طوعا، وإسلام الكون كرها.

الإسلام طوعاً وكرهاً: تأملات بقلم د. أمين رمضان 3
الدكتور أمين رمضان
aminghaleb@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.