Site icon وضوح الاخبارى

الإسلام والعلم … توافق وانسجام

الإسلام والعلم ... توافق وانسجام 2

 

بقلم / حاتم السروي

قبل الحديث عن العلاقة الوثيقة بين الإسلام والعلم والرد على الملحدين الذين أطلوا برأسهم في أيامنا هذه أقول: إن مما نلاحظه  الآن كثرة الجدل والخلاف، مع قلة العلم بالإضافة إلى انتشار سوء الفهم لدى كثيرين أو التربص والميل إلى الشبهات عند البعض، وإن هذا الدين رغم ذلك يمتاز بقوته الساطعة فلا يتأثر أبدًا بترهات المشككين ولا يضيره جهل بعض أبناءه؛ لأن الله قد تكفل بحفظه ونصرته وحكم سبحانه بأن يخرج في كل جيل عُدُول ينفون عن دينه إبطال المبطلين وتحريف الغالين، وهذا الموضوع الذي كتبته ليس إلا محاولة يسيرة للرد على بعض الشبهات التي أثارها أحد الملحدين على موقع (اليوتيوب) ولن أذكر اسمه لأنه ليس من الحكمة أن نزيد في شهرته أو أن نعرف به من لم يكن يعرفه، والأحرى أن نترك الأشخاص ونرد على الشبهات.

ومن الشبهات التي يواجهنا بها بعض من يحسبون أن الإسلام وعلماءه عاجزون عن الرد، شبهة التناقض بين الإسلام والعلم؛ ويستدلون على ذلك بحديث رواه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين غربت الشمس: تدري أين تذهب؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فقال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يُقبَل منها وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها: ارجعي من حيث جئتِ، فتطلع من مغربها؛فذلك قوله تعالى “والشمس تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم”. الآية من سورة يس رقم 38.

وهذا الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم كما رواه أبو داود في سننه والترمذي والنسائي، ورواية البخاري تجدها في كتاب بدء الخلق وقد أخرجه من طريق الأعمش؛ فإن الحديث في الأصل قد ورد من طريق إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه عن أبي ذر عن نبينا الأكرم صلوات الله وسلامه عليه، ثم رواه عن إبراهيم التيمي كلٌ من “الحكم بن عتيبة، والأعمش، وفضيل بن غزوان، وهارون بن سعد، وموسى بن المسيب” رحمهم الله جميعًا.

ورواية الأعمش هي التي أوردناها في صدر المقال وهي التي جاءت في البخاري بأرقام (3199،4802،7424) فالحديث إذن والحال هكذا صحيحٌ مئة بالمئة ولا مفر من الإيمان به والتصديق، ويكون الكلام في معنى الحديث لا في أصل وروده؛ لأنه حديث صحيح أورده غير واحد من الحفاظ وأصحاب الكتب الستة.

ونلاحظ أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أراد أن يعلم أبا ذر أين تذهب الشمس حين تغرب؟ فلم يخبره بهذا أولاً ولكن سأله على طريق الاستفهام، والاستفهام هنا للتنبيه والتشويق للمسئول عنه وليست حقيقته طلب الفهم فإن رسولنا كان يعرف أن أبا ذر لا علم له بمستقر الشمس، وأبو ذر نفسه أجاب قائلاً : ” الله ورسوله أعلم ” والمعنى أنهما أعلم من كل عالم في هذا الموضوع وفي غيره؛ فتكون صيغة ” أفعل للتفضيل = أعلم ” على بابها وتفيد الزيادة في العلم، وليس المعنى أنه لا عالم غيرهما؛ فإن الله يمن بالعلم على من يشاء من عباده، وإنما المراد أنهما أعلم من كل العلماء، والعلماء عيالٌ على رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه.

فإنه شمس فضلٍ هم كواكبها.. يظهرن أنوارها للناس في الظُّلَمِ

وإن الصحابي الجليل أبو ذر لم يتهجم على الجواب فيما لا علم له فيه بل أرجع إلى الله تعالى وإلى السائل الكريم حتى يستفيد منه الجواب الصحيح، وتلك هي صفة المتعلم على سبيل النجاة، أما عن الخلاف المتوهم بين الدين والعلم فتفصيل هذا كما يلي:

اولا : نقل الشيخ الراحل عبد المتعال الصعيدي في كتابه ” توجيهات نبوية ” عن ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه – فتح الباري في شرح صحيح البخاري- قوله: ظاهر الحديث مغاير لقول أهل الهيئة أن الشمس مُرَصَّعةً في الفلك؛ فإن هذا يقتضي أن الذي يسير هو الفلك، وظاهر اللفظ ها هنا أن الشمس هي التي تجري وتسير، ومثل هذا الحديث قوله عز وجل ” لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌ في فلكٍ يسبحون “ الآية 40 من سورة يس. قال ابن العربي – وهو غير ابن عربي المتصوف- تأول قومٌ سجودها على ما هي عليه من التسخير الدائم، ويحتمل أن يكون المراد سجود من هو موكلٌ بها من الملائكة، أو أنها تسجد بصورة الحال فيكون الحديث عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين.(1)

فنفهم من كلام ابن حجر عليه رحمة الله أن العلماء القدامى كانوا على شعبتين؛ فقسمٌ يرى الأخذ بظاهر الحديث الشريف ولا يهمه مخالفته لعلم الهيئة، وقسمٌ آخر يؤوله حتى لا يخالف ما استقر عليه ذلك العلم، وليس مفاجأةً أن العلم الحديث لا يناقض هذا الحديث؛ فإن الشمس تجري لمستقرٍ لها بالفعل، وذلك أن الأرض كما أنها تدور حول الشمس؛ فإن الشمس تدور حول محورٍ أكبر منها، هذا أولا.

وثانياً: حمل السجود على التعظيم والخضوع أمرٌ يجيزه علماء اللغة بل إن السجود في الأصل هو الخضوع فإن العرب تعرف كلمة سجد بمعنى خضع وتطامن، وتعرفها بالضد وهو الانتصاب (2).. ومعنى الخضوع هذا يبدو أكثر وضوحًا في سياق الآية الكريمة التي في سورة الرعد، آية 40 ” ولله يسجدُ من في السماوات والأرض طوعاً وكًرهًا وظلالهم بالغُدُوِّ والآصال “ ثم إن المستقر قد يعني الزمان  فيكون على هذا جري الشمس حقيقةً هو جري الزمان بها إلى نهاية الدنيا وإنما نسب إليها الجري على سبيل المجاز.

أما ثالثًا: فاعتراض البعض على منحى التأويل في هذا الحديث مع التشكيك في عقيدة مؤوليه هو مغالاة في النقد لأن الخلاف هنا سائغٌ كما يرى السادة العلماء ومنهم ابن حجر على ما ذكرناه آنفا، وابن العربي رحمه الله إذ حكى قول من قال أن المراد سجود من هو موكلٌ بها من الملائكة أو أنها تسجد بصورة الحال فيكون المعنى أنها عند الغروب تزداد في الانقياد والخضوع، ولو لم نفتح باب التأويل في هذا الحديث فإننا نُعَرِّض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقض والهجوم ونتيح الفرصة كاملةً لتشكيك أبنائنا في عقيدتهم ونصدق بلسان الحال مقولة أن في السنة الصحيحة ما لا يتفق مع العلم الحديث.

وأنتهز تلك الفرصة في الدعوة إلى احترام اللغة وقواعدها وأن يضع طالب العلم في حسبانه ضرورة الإلمام بلسان العرب، ثم إن احترام العلماء وتقدير مجهوداتهم هو من صميم تعاليم الإسلام؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ” (3).

وأخيرًا أقول لا يمتنع أن يكون معنى ذهاب الشمس في الحديث هو كما يبدو للعين المجردة فتكون النسبة هاهنا مجازية، واللغة لا ترفض ذلك، وبهذا يكون للغة أسلوبها وللعلم حكمه وينتفي التعارض بين تعاليم الدين وحقائق الفلك، وخصوصًا أن البعض يستدل بهذا الحديث على تكفير القائلين بدوران الأرض حول الشمس، ويقولون أن الأرض ثابتة والشمس هي التي تدور حولها، ثم لا يكتفون بهذا بل يبيحون دماء من خالفهم وتمسك بقواعد العلم القطعية، وفي هذا هدمٌ للإسلام وصدٌّ عن سبيل الله؛ فهل نفتح لأنفسنا باب الفهم دون تشنج ولا عصبية،  خاصةً وأن كبار المفسرين يقولون أن غروب الشمس هو ذهابها في اتجاه الغرب حتى تغيب عن الرؤية فيما يراه الناظر، والغروب في اللغة هو النوى والبعد، وهذا معروف عند كل من طالع كتبهم، ولا حاجة بنا إلى إثباته، وليس في القرآن الكريم والسنة المطهرة ما ينفي حركة الأرض ودورانها، وقد تواترت الأخبار من علماء الفلك – مسلمين كانوا أو غير مسلمين- أن الأرض تدور وتتحرك كغيرها من الكواكب؛ فإذا تواتر الخبر صار مقطوعًا به ويتساوى في ذلك أن يعرفه المسلم وغيره؛ ومثال ذلك تواتر الخبر بوجود صلاح الدين الأيوبي بحيث لو تشكك أحدٌ في وجوده لاعتبرناه مجنونا!.

وبهذا لا يناقض لفظ الحديث ما هو مستقر عند العلماء من كون الشمس لا تغيب عن الأرض أبدًا؛ فهي تغرب هنا ثم تشرق هناك، وهكذا دواليك، ونسأل الله جل شأنه أن يحفظ دينه وشريعة نبيه وأن يعمنا جميعًا بالخير والبركات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإسلام والعلم ... توافق وانسجام 1
حاتم السروي: كاتب وقاص ومسئول خدمة المؤلف بالهيئة المصرية العامة للكتاب.

 

 

 

Exit mobile version