الاحتلال الإسرائيلي يشن حرباً مزدوجة على غزة: القتل الميداني وتزييف الرواية الإعلامية

“خلية الشرعية” .. أداة إسرائيل للتضليل وطمس الحقيقة في غزة
كتب / هاني حسبو
في ذروة الحرب الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة، تعمل ماكنة الاحتلال على جبهتين متوازيتين: الأولى هي آلة القتل والتدمير على الأرض، والثانية آلة دعائية تعمل بلا توقف لتشكيل السردية والتحكم في تدفق المعلومات.
ووفق تحليل نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، توظف إسرائيل مواردها السياسية والإعلامية لحجب الحقائق وحماية صورتها أمام الرأي العام الدولي، في محاولة لتجميل جرائمها المستمرة.
حجب الرواية الفلسطينية وتلفيق السرديات
منذ بدء العدوان في 2023، منعت قوات الاحتلال دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة، باستثناء جولات محدودة تحت إشراف جيش الاحتلال، مع فرض قيود صارمة على التغطية الإعلامية.
كما شنت حملة ترهيب ممنهجة ضد الصحفيين الفلسطينيين، أدت إلى استشهاد العشرات وإصابة المئات، في محاولة لإسكات الصوت الفلسطيني وكتم الحقيقة.
ورغم ذلك، واصل جيل جديد من الصحفيين الفلسطينيين، إلى جانب من بقي من الرواد، مهمتهم في توثيق المجازر والحصار والجوع، رغم المخاطر والاستهداف المباشر لأسرهم.
“خلية الشرعية”.. صناعة الغطاء القانوني لقتل الصحفيين
يكشف الصحفي الإسرائيلي يوڤال أبراهام عن وجود وحدة في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تُعرف باسم “خلية الشرعية”، مهمتها صياغة روايات قانونية وإعلامية لتبرير استهداف المدنيين، وعلى رأسهم الصحفيون.
وتعتمد هذه الخلية على البحث عن مزاعم، مثل اتهام المقاومة بإطلاق نار خاطئ أو استخدام المدنيين كدروع بشرية، لكن أخطر مهامها كان البحث عن أي دليل (حقيقي أو ملفق) لاتهام صحفيين غزيين بالانتماء لفصائل المقاومة، بهدف استهدافهم.
إحصائيات صادمة
تعد هذه الحرب الأكثر دموية ضد الصحافة منذ عقود، إذ ارتفع عدد الصحفيين الشهداء إلى 238 صحفيًا خلال 22 شهرًا، كان آخرهم 6 صحفيين اغتيلوا قرب مجمع الشفاء الطبي، بينهم مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع.
الاحتلال يبرر هذه الجرائم بمزاعم أمنية، في حين يرى الخبراء أن الهدف الحقيقي هو قطع شريان المعلومات من غزة.
اغتيال أنس الشريف.. نموذج لسياسة التشويه
استشهاد الصحفي أنس الشريف (28 عامًا) كان مثالًا صارخًا لسياسة الاحتلال؛ إذ زعمت إسرائيل أنه كان عضوًا في حماس منذ المراهقة، وروجت صورًا مفبركة ضده، متجاهلة سجله المهني وتغطيته الميدانية الموثقة.
ويرى المراقبون أن أي اتهام مشابه لو وُجّه لصحفي إسرائيلي — ومعظمهم مجندون في الجيش — لكان محل رفض واستنكار واسع.
التزييف الإعلامي… أداة حرب موازية
يؤكد أستاذ الإعلام الدكتور إياد القرا أن إسرائيل تعتمد على منصات إعلامية عبرية وغربية كبرى لبناء روايات مفبركة، تبدأ بأنصاف الحقائق وتنتهي بأكاذيب ضخمة، بهدف شيطنة الصحفيين الفلسطينيين وتقويض مصداقيتهم أمام العالم.
جريمة منظمة ضد حرية الصحافة
يشير الباحث الحقوقي أحمد أبو زهري إلى أن اغتيال الصحفيين جزء من جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، وهو انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي وفق المادة 8 من نظام روما الأساسي، وحرمان تعسفي من الحق في الحياة وفق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
ويرى الخبراء أن حرمان العالم من صوت الصحافة الفلسطينية يعزز الإفلات من العقاب ويخفي حجم الانتهاكات، ما يجعل جريمة استهداف الصحفيين وتشويههم استراتيجية صهيونية متكاملة لقمع حرية الإعلام وكتم رواية الضحايا.
الخلاصة
ما يجري في غزة ليس فقط حربًا على الأرض، بل حرب على الحقيقة، حيث تسعى إسرائيل لقتل الشهود وتدمير السردية الفلسطينية، بينما يواصل الصحفيون الفلسطينيون مقاومتهم بالكلمة والصورة، رغم أن ثمنها قد يكون حياتهم.