الانقسام السياسي يسيطر على مناطق الدعم السريع في السودان

انتقادات البرهان للإسلاميين المساندين لحربه على قوات الدعم السريع تثير ردود فعل قوية
كتبت: د. هيام الإبس
انقسم أكبر تحالف سياسي مدني في السودان إلى فصيلين اليوم، إثر خلافات حول تشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”.
وقالت “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” (تقدّم)، التي تضم أحزابًا سياسية ونقابات مهنية، في بيان رسمي، إن “الخيار الأوفق هو فكّ الارتباط بين أصحاب الموقفين ليعمل كل منهما تحت منصة منفصلة سياسيًا وتنظيميًا باسمين جديدين مختلفين”، مشيرةً إلى أن الانقسام جاء نتيجة “موقفين متباينين حول قضية الحكومة”.
من جانبه، أوضح المتحدث السابق باسم “تقدّم”، بكري الجاك، أن بعض المجموعات في المناطق التي تسيطر عليها “الدعم السريع” تشعر بالتخلي عنها بسبب عدم وجود تضامن كافٍ.
وأضاف الجاك أن الفصيل المعارض لتشكيل حكومة في هذه المناطق يضم معظم الأحزاب السياسية والشخصيات العامة في التنسيقية، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الذي كان قد أطيح به عام 2021 من قبل رئيس مجلس السيادة الانتقالي – قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، بدعم من قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، قبل أن ينشب الخلاف بين الطرفين ويؤدي إلى اندلاع الحرب في 2023.
وفي أوائل 2024، التقى حمدوك ودقلو في أديس أبابا حيث وقعا إعلانًا مشتركًا للعمل على إنهاء الحرب.
تصاعد التوتر بين البرهان وحزب المؤتمر الوطني
لم يكن متوقعًا أن يوجه رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، انتقادات لاذعة لحزب المؤتمر الوطني، الحليف الإسلامي الذي يقاتل إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، مما أثار ردود فعل واسعة ومخاوف من مواجهة محتملة بين الطرفين.
وخلال ختام مشاورات القوى السياسية الوطنية والمجتمعية حول خارطة الطريق للحوار السوداني، وجّه البرهان تحذيرًا لزعماء وأعضاء حزب المؤتمر الوطني، متهمًا إياهم بالسعي للسلطة “على أشلاء السودانيين”، في خطوة اعتبرها البعض محاولة لاستمالة الميليشيات المتحالفة مع قوات الدعم السريع.
وفي رد مباشر، أكد رئيس حزب المؤتمر الوطني، أحمد محمد هارون، أن “الوطن لدينا مقدم على المصلحة الحزبية، وهو أغلى من أن نقايضه بمغنم أو نطلب عنه ثمنًا”، مشددًا على أن “المعركة لم تنتهِ بعد، والمحافظة على وحدة الصف الوطني مهمة حيوية لمعركة الوطن الوجودية”.
وأصدر حزب المؤتمر الوطني بيانًا آخر جاء فيه: “نربأ بالبرهان من مهاجمة المؤتمر الوطني في كل سانحة تسنح له تقربًا وتزلفًا لقوى متهالكة هشة”، في إشارة إلى تنسيقية تقدّم وقوى الحرية والتغيير. وأضاف البيان أن “البحث عن مكاسب سياسية في هذا التوقيت سيضر بالمعركة الحاسمة”، مؤكدًا أن “بعد الحرب، لن يصادر إرادتنا أحد.. ومرحبًا بصناديق الاقتراع”.
الأوضاع الميدانية وتفاقم الأزمة الإنسانية
على الرغم من إعلان قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، عن تشكيل حكومة انتقالية وإطلاق حوار وطني، إلا أن المعارك لا تزال مشتعلة في مناطق مختلفة، خصوصًا في دارفور.
وفي تقرير للأمم المتحدة، نُشر الإثنين، أفادت المنظمة بأن آلاف الأسر السودانية فرت من قرية سلومة في ولاية شمال دارفور بعد هجوم نُسب إلى قوات الدعم السريع. وأوضحت المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 8,000 أسرة نزحت إلى جنوب الفاشر خلال يومي الجمعة والسبت.
وقال المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين في دارفور، آدم رجال، إن “قوة من الدعم السريع هاجمت قرية سلومة وتصدت لهم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح”.
كما اتهمت الأمم المتحدة قوات الدعم السريع بمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى دارفور، التي تعاني من خطر المجاعة. وقالت كليمنتين نكويتا سلامي، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، إن “القيود المستمرة والعقبات البيروقراطية” التي تفرضها وكالة الإغاثة التابعة لقوات الدعم السريع “تمنع وصول المساعدات المنقذة للحياة”، محذرةً من كارثة إنسانية.
حصار الفاشر وتفاقم أزمة الجوع
تفرض قوات الدعم السريع منذ أشهر حصارًا على مدينة الفاشر، آخر عاصمة ولاية في إقليم دارفور لا تزال تحت سيطرة الجيش.
وفي المنطقة المحيطة بالفاشر، تتفاقم المجاعة في ثلاثة معسكرات للنازحين: زمزم، أبو شوك، والسلام، وسط توقعات بأن تتوسع رقعة المجاعة إلى خمس مناطق أخرى، بما فيها المدينة، وفقًا لتقييم مدعوم من الأمم المتحدة. وتشير إحصاءات التصنيف المرحلي المتكامل إلى أن نحو 7 ملايين شخص في دارفور يواجهون مستويات حرجة من الجوع.
وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم دارفور، بما في ذلك مدينة نيالا التي تبعد 195 كيلومترًا عن الفاشر. وتظل شمال دارفور الولاية الوحيدة في الإقليم التي لا تزال تحت سيطرة الجيش، حيث يعيش نحو مليوني شخص في الفاشر تحت حصار خانق منذ مايو الماضي.