الفن والثقافة

ماهي القصيدة التي كتبها الشاعر معروف الرصافي بدموع عينيه ؟

من اختيارات أ.نادية حجازي نعمان

كان الشاعر العراقي معروف الرصافي جالساً في دكان صديقه الكائن أمام جامع الحيدر ببغداد….

وبينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث ، وإذا بإمرأة محجبة يوحي منظرها العام بإنها فقيرة و كانت تحمل صحناً وطلبت بالاشارة من صاحبه ان يعطيها بضعة قروش كثمن لهذا الصحن، ولكن صاحب الدكان خرج اليها وحدثها همساً ، فانصرفت المرأة الفقيرة

فاستفسر الرصافي من صديقه عن هذه المرأة

فقال له صاحبه: إنها أرملة تعيل يتميين وهم الآن جياع وتريد ان ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري لهما الخبز

فما كان من الرصافي إلا أن لحق بها وأعطاها اثني عشر قرشًا كان كل ما يملكه في جيبه، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء وأعطت الصحن للرصافي وهي تقول: الله يرضى عنك تفضل وخذ الصحن.

فرفض الرصافي وغادرها عائداً إلى دكان صديقه وقلبه يعتصر من الألم …

ثم عاد الرصافي إلى بيته ولم يستطع النوم ليلتها وراح يكتب قصيدته الشهيرة ، والدموع تنهمر من عينيه .

“قصيدة الأرملة المرضعة” ويقول كتبتها بدموع عيني

وتعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة ويقول فيها :

لقيتها ليتني ما كنت ألقاها! تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها

أَثوابُها رثَّةٌ والرِّجْلُ حافيةٌ والدمع تذْرفه في الخدِّ عيناها

بكت من الفقر فاحمرَّت مدامعها واصفرَّ كالوَرْس من جوعٍ مُحياها١

مات الذي كان يحميها ويسعدها فالدهر من بعده بالفقر أشقاها

الموت أفجعها والفقر أوجعها والهمُّ أنحلها والغمُّ أضناها

فمنظر الحزن مشهود بمنظرها والبؤس مرآهُ مقرونٌ بمرآها

كرُّ الجديدين قد أبلى عباءَتها فانشقَّ أسفلها وانشق أعلاها

ومزَّق الدهرُ — ويلُ الدهرِ — مِئزرها حتى بدا من شقوق الثوبِ جَنباها

تمشي بأطمارها والبرد يَلسعها كأنه عقربٌ شالت زُباناها٢

حتَّى غدا جسمُها بالبردِ مرتجفًا كالغُصن في الريح واصطكَّت ثناياها

  • ••

تمشي وتحمل باليُسْرى وليدَتها حَمْلًا على الصَّدْر مدعومًا بيُمناها

قد قمَّطتها بأهدام ممزَّقةٍ في العين منشرها سَمج ومَطواها

ما أنسَ لا أنسَ أني كنتُ أسمعها تشكو إلى ربها أوصابَ دنياها

تقول: يا ربُّ لا تترك بِلا لبنٍ هذي الرضيعة وارحمني وإياها

ما تصنع الأم في تربيب طفلتها إن مسَّها الضرُّ حتى جفَّ ثدياها٣

يا ربُّ ما حيلتي فيها وقد ذبلت كزهرة الروض فَقْدُ الغيث أظماها

ما بالها وهْي طول الليل باكيةٌ والأمُّ ساهرة تبكي لمبكاها

يكاد ينقدُّ قلبي حين أنظرها تبكي وتفتح لي من جوعها فاها

ويلُمِّها طفلةً باتت مروَّعة وبتُّ من حولها في الليل أرعاها!٤

تبكي لتشكوَ من داءٍ ألمَّ بها ولست أفهم منها كُنهَ شكواها

قد فاتها النطق كالعجماء أرحمها ولست أعلم أي السقم آذاها

وَيح ابنتي إنَّ ريبَ الدهر روَّعها بالفقر واليتم، آهًا منهما آها!

كانت مصيبتها بالفقر واحدةً وموت والدها باليُتم ثنَّاها

  • ••

هذا الذي في طريقي كنت أسمعه منها فأثَّر في نفسي وأشجاها

حتى دنوت إليه وهْي ماشيةٌ وأدمعي أوسعت في الخدِّ مجراها

وقلت: يا أُختُ مهلًا إنني رجلٌ أشارك الناس طُرًّا في بلاياها

سمعت يا أُخت شكوى تهمسين بها في قالةٍ أوجعت قلبي بفحواها

هل تسمح الأخت لي أني أشاطرها ما في يدي الآن أسترضي به الله

ثم اجتذبت لها من جيب ملحفتي دراهمًا كنت أستبقي بقاياها٥

وقلت: يا أُخت أرجو منك تكْرمتي بأخذها دونما مَنٍّ تغشَّاها

فأرسلتْ نظرة رعشاء راجفة ترمي السهام وقلبي من رماياها

وأخرجَت زفَراتٍ من جوانحها كالنار تصعد من أعماق أحشاها

وأجهشت ثم قالت وهي باكية: واهًا لمثلك من ذي رقَّة واها!

لو عَمَّ في الناس حِسٌّ مثل حسِّك لي ما تاه في فَلَوات الفقر مَن تاها

أو كان في الناس إنصافٌ ومرحمة لم تشكُ أرملة ضَنكًا بدنياها

  • ••

هذي حكاية حالٍ جئت أذكرها وليس يخفى على الأحرار مَغزاها

أَولى الأنام بعطف الناس أرملةٌ وأشرف الناس مَن في المال واساها

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.