التحليل

بقلم الفنان / أمير وهيب
من ضمن العلوم التي قرأتها ، علم اسمه ” التحليل ” و التحليل هو عملية تقسيم الكل الي اجزاء و تفاصيل و رد الشئ الي عناصره.
و التحليل هو جوهر الفلسفة و التفكير النقدي ، و اذا كان التحليل الفلسفي يقسم المفاهيم لفحصها منطقيا يكون النقد هو التقييم ، اي كان ، وجهات النظر ، الاعمال الفنية ، الرياضية و الأفعال السياسية و غيره.
و التحليل كل المجالات تعتمد عليه.
ومنهم ما اذكره على سبيل المثال ، التحليل النفساني و هو فرع من علم النفس ، تحليل الجملة في اللغة ، التحليل الكهربائي ، التحليل العقلي ، التحليل الحجمي ، التحليل الكمي ، تحليل إشعاعي ، كيميائي ، تحليل النظم ، التحليل الاساسي في الاقتصاد ، و الفن و الادب و الرياضة و قائمة طويلة في الطب والهندسة والعلوم العسكرية والحربية وغيره.
وما لاحظته و أصبح مؤكد أنه لا يوجد في مصر من يقوم بالتحليل العلمي الصحيح ، بل يختلط التحليل على عاطفة و انتماء يصل احيانا كثيرة الي تعنت و تعصب يتنافى تماما مع ما يصبو إليه فعل التحليل و الاسترشاد بنتائجه مما يحيل التحليل الي مادة فاضحة تشين ” المحلل ” قبل تضليل ” المتلقي ” حتى لو كان بنية القصد استهدافا لجبر خاطر مظلوم.
فيمكن للمحلل أن يجبر خاطر تلك الفئة بعيدا عن إعلان التحليل خاصة إذا ما تم الاعتماد على هذا التحليل من قبل جهات أخرى تعتقد بصحة هذا التحليل فتكون النتائج كارثية.
* بمعنى ، طلب طبيب أخذ عينة من جسم مريض و تحليلها لمعرفة ما إذا كان مصاب ب ” سرطان ” و يعود بعد أن تأكد أنه مريض بإعلان سلامته.!!!!
* ربما يكون هذا الفعل هو منهج متبع في مصر لإراحة نسبة كبيرة.
* و لكني انا شخصيا افضل قول ” الحقيقة “.
* نعم لا يوجد في مصر من يقوم بالتحليل العلمي الصحيح في كل المجالات ، استنادا الي أبحاثه ، بل الغالبية العظمى يقوم بالنقل و الاقتباس من أبحاث أمريكية و أوروبية.
* و لكن لأن التعليم في مصر هو في الحقيقة تعليم حفظ و تلقين و هو ما يفتقد الابداع و المعرفة لذلك معظم التحليل خطأ.
* أضف إلي ذلك ، المستوى الثقافي ” منخفض ” جدا و أصبح لقب ” محلل ” مرتبط بتحليل كرة القدم و الطهي.
* و ما يعنيني في هذه المادة هو حال مصر في ” الابداع ” ولابد من قول الحقيقة حتى نعرف الطريق الصحيح لعدم تكرار الأخطاء على هذا النحو.
* مصر ، كانت و لازلت و سوف تستمر في نفس المنهج و السياسة حتى بعد أن تأكد خطأ المنهج و فداحة خسائره لا تستطيع تغييره.
* مناهج التربية و التعليم تغيرت ، خطة مباريات كرة القدم تغيرت ، نظم السياسة و الاقتصاد تغيرت ، كل حاجة تغيرت و مصر لازلت تتبع منهج قديم، منهج كان في ذلك الوقت مقبول ، و لكن الدنيا كلها تغيرت و الاستمرار في اتباع هذا المنهج أمر غير منطقي و تداعياته هو الاستمرار في الخسائر و إهدار حق المواطنين المصريين مما يعطي فرصة للدول العظمى في التدخل.

* اتذكر في فترة السبعينيات و الثمانينيات كان تليفزيون ماسبيرو يقوم بعرض برنامج اسمه ” جولة الكاميرا ” من تقديم اعلامية جميلة وراقية اسمها ” هند ابو السعود ” ، و كنت انتظر هذا البرنامج لمتابعة اخر فقرة في البرنامج فكانت تعرض صورة غير مقروءة بسهولة – تشبه هذه الصورة مثلا – ( صورة درفتين دولاب ) وكانت تترك الصورة علي الشاشة لمدة ٢٠ ثانية لكي نتعرف على مضمونها.

* ولازلت بعتقد ان هذا النوع من الفقرات من اجمل ” التمرينات ” التي تساعد علي تنشيط الذهن لكل الناس بمن فيهم المحللين السياسيين لكي يتعلموا ” يقرأون المشهد ” بشكل صحيح ، لأنه من غير المقبول أن تكتب عن سياسة دولة بناء عن فيلم شاهدته او امرأة روسية تعرفت عليها في الغردقة.
وختاما ..
التحليل ليس ترفاً فكرياً، بل هو ضرورة وجودية لأي مجتمع يسعى إلى النهضة. غياب التحليل العلمي في مصر جعلها أسيرة الماضي، وأسيرة منهج لم يعد صالحاً لعصرنا. الطريق إلى الإصلاح يبدأ بقول الحقيقة، وبناء ثقافة جديدة تقوم على التفكير النقدي والإبداع، بعيداً عن النقل والتلقين، حتى لا تتكرر الأخطاء التي أورثت مصر أزماتها عبر الأجيال.
أمير وهيب
فنان تشكيلي وكاتب ومفكر




