أراء وقراءات

التضامن الرقمي: هل يمكن للإعجاب والمشاركة أن تنقذ حياة؟

بقلم / الدكتورة هناء خليفة

 

في زمنٍ تتسارع فيه الخوارزميات أكثر من سرعة خطواتنا، لم يعد التضامن فعلًا اجتماعيًا تقليديًا قائمًا على الحضور المادي، بل أصبح فعلًا رقميًا عابرًا للحدود. ضغطة زر على “إعجاب” أو “مشاركة” قد تتحول إلى صرخة تُسمع في العالم كله، وقد تعني – في حالات كثيرة – الفارق بين حياة وموت، بين صمت الظلم وفضحه، بين التهميش والاعتراف.

لكن السؤال الجوهري هنا: هل يكفي التفاعل الرقمي لإنقاذ حياة؟ أم أننا بصدد وهمٍ جديد يقدمه لنا الإعلام الرقمي على أنه فعل بطولي؟

من “اللايك” إلى الحشد الرقمي

التجارب الحديثة أظهرت أن مجرد “لايك” أو “ريتويت” قد يحول قضية محلية إلى قضية عالمية. من حملات جمع التبرعات لعلاج أطفال نادرين، إلى فضح جرائم عنف منزلي أو سياسي، استطاع الإعلام الرقمي أن يحوّل التضامن الفردي إلى طاقة جماعية قادرة على تحريك الرأي العام، والضغط على الحكومات والمؤسسات. هنا تظهر قوة “الحشد الرقمي” الذي يتخطى الجغرافيا والبيروقراطية.

التضامن الرقمي بين الرمزية والفعالية

رغم نجاحات كثيرة، إلا أن التضامن الرقمي لا يخلو من إشكاليات. فالمشاركة الرقمية قد تتحول إلى مجرد “رمزية” فارغة إذا لم ترتبط بفعل واقعي. يسمّيه بعض الباحثين “الكسل النضالي” (Slacktivism)؛ حيث يكتفي الفرد بالتفاعل الرقمي لشعوره أنه أنجز شيئًا، بينما لم يُحدث أي تغيير ملموس على الأرض. هنا يصبح الخطر في أن نخلط بين “الرمزية” و”الفعالية”.

البعد النفسي للتضامن الرقمي

من منظور علم النفس الاجتماعي، يوفّر التضامن الرقمي شعورًا بالانتماء لجماعة افتراضية. الفرد يشعر أنه ليس وحده، وأن هناك آخرين يساندونه، حتى لو لم يعرفهم. هذا البعد النفسي يقلل من الإحساس بالعجز ويمنح الأفراد دافعًا للاستمرار في النضال أو المقاومة، وهو ما قد يُترجم لاحقًا إلى خطوات عملية.

عندما ينقذ التضامن الرقمي حياة فعلًا

الأمثلة كثيرة: حملات البحث عن مفقودين عبر تويتر التي أنقذت أرواحًا، حملات التبرع بالدم التي نظمتها مجموعات على فيسبوك، أو حتى التوعية السريعة بجائحة كورونا التي حدّت من انتشار الفيروس في بداياته. في كل هذه الحالات، لم يكن التضامن الرقمي مجرد “حبر على شاشة”، بل كان قوة ملموسة ساهمت في حماية حياة البشر.

نحو تضامن رقمي مسؤول

القوة العظيمة تحتاج دائمًا إلى وعي أكبر. لذلك، لا يكفي أن نضغط على “مشاركة” دون التحقق من مصداقية الخبر أو جدية الحملة، وإلا تحول التضامن الرقمي إلى أداة لنشر الشائعات بدلًا من إنقاذ الأرواح. المطلوب هنا هو وعي نقدي يربط بين سرعة التفاعل وعمق المسؤولية.

التضامن الرقمي ليس وهمًا، لكنه أيضًا ليس عصا سحرية. قد ينقذ حياة بالفعل، لكنه يحتاج إلى وعي ومسؤولية، وإلى أن يتحول من مجرد تفاعل سريع إلى فعل جماعي متماسك. السؤال لم يعد: “هل يمكن للإعجاب والمشاركة أن تنقذ حياة؟” بل أصبح: “كيف نحول إعجابنا ومشاركتنا إلى قوة تغيير حقيقية؟”.

دكتورة هناء خليفة 

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى