جوان ديديون Joan Didion – كاتبة وصحفية وروائية أمريكية، ولدت عام ١٩٣٤م، ويبلغ عمرها الآن ٨٢ سنة، أهداها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وساماً رفيعاً، لتكريمها كأحسن روائية في جيلها، وما زال عقلها حاضراً في عالم الفكر.
عندما تعلن كاتبة وروائية بهذا الحجم أن المجتمع الأمريكي في حالة تفكك أخلاقي وفوضى ثقافية، وأصبح الشكل العام له يميل للفردية والتفتت الاجتماعي؛ إذ تسيطر عليه الأنانية الفردية، حيث يبحث كل إنسان عن مصالحه الشخصية بأوي وسيلة، وليذهب الآخرون إلى الجحيم، مبدأه: الغاية تبرر الوسيلة، فكل وسيلة مقبولة طالما أنها توصل للغاية، حتى لو كانت عبر دماء وجماجم الآخرين.
سألت نفسي: هل دفعها الواقع المرير إلى الغوص في أعماق بئر الأحزان، لتصب آلامه في شرايين رواياتها وكتاباتها المختلفة، خصوصاً، عندما كانت أحداث الحياة الواقعية تدفعها دفعاً للغوص أعمق وأعمق في مياه الألم، ربما، خصوصاً بعد أن مات زوجها وابنتها المتبناة ليتركاها وحدها في بئر الأحزان الذي اتسعت جوانبه وازداد ألمه عمقاً، ولذلك قالت: إن الحزن شيئاً لا نعرفه حتى نعيشه.
لن أتوقف كثيراً عند تفاصيل حياتها الشخصية، لكن رؤيتها للمجتمع الأمريكي بأنه في فوضى ثقافية وتفكك أخلاقي هي التي استوقفتني، لأن الكارثة التي تحل بالفطرة الإنسانية تحول أي مجتمع إلى غابة، والناس إلى وحوش، هذه الكارثة تهددنا جميعاً الآن، خصوصاً عندما يكون هذا الانحدار الأخلاقي تقوده دوله عظمى مثل أمريكا، تحت أصابعها وحوش قتل فتاكة تحول المدن والناس إلى رماد بضغطة زر هنا أو هناك.
والحل هو أن تسود العالم المنظومة الأخلاقية الإنسانية كالعدل والمساواة وعدم الاعتداء وحفظ النفس والمال والعرض، لكن يبدوا أن ذلك حلم، يشبه حلم المدينة الفاضلة، لأن شياطين الإنس لن يجدوا في هذه الواحة الإنسانية بغيتهم، فمصالحهم تتعارض مع المنظومة الأخلاقية الإنسانية تعارض تضاد، لأنها منظومة لا أخلاقية في المقام الأول، تحط من قيمة الإنسان، وتعلي من قيمة المادة بكل صورها وما يصاحبها أو يؤدى إليها من وسائل تدمير لكل مظهر من مظاهر الجمال في الوجود.
فمن أجل أن يسود عالم الوحل والرذيلة والدمار، تتحرك أعاصير الموت لتحصد الأبرياء، وتقتلع أشجار الخير لتزرع مكانها أشجار الشر التي تتحول ثمارها الشيطانية إلى شر أشد، يغيب وعي الناس بالمخدرات، أو يغيبهم كلياً بالدمار، ولا عزاء للضعفاء والواهمين الذين يجترون الكلمات، ويتصبرون بالوعود.
هذه المنظومة الأخلاقية هي الأولي باهتمامنا جميعاً قبل أن يجرفنا الطوفان، المحدق بنا من كل جانب، بل إن الكثير من أعاصيره تتجمع داخل محيط حياتنا نفسه.
نحتاج إلى عودة الأخلاق المهاجرة إلى داخل نفوسنا أولاً، وهذه نملكها، أما العالم فلا نملكه، وهذه هي الخطوة الأولى.