أراء وقراءاتاحدث الاخبار

التَعْلِيم الفَاشِل (3) بلا رؤية للمستقبل ..بقلم: د. أمين رمضان

 

الرؤية المستقبلية، هي صورة ذهنية لما يود الإنسان أن يكون عليه في المستقبل، وبديهي أنها لا تتحقق في عالم الواقع وحدها، لكن بجهد وعرق وخطط تنفيذية جادة، يتواصل العمل عليها ليلاً ونهاراً، من عاملين أكْفاء مخلصين، يمتلكون الخبرة والإرادة.

والرؤية لا يصنعها إلا قيادة أمينة على مصالح من تقودهم، وحريصة على أن تتركهم في وضع أفضل مما كانوا عليه، فإن لم تفعل فلا تسمى قيادة، بل إدارة، تدير الشأن اليومي أو الشهري أو السنوي فقط، ويكون فعلها رد فعل للأحداث والأزمات، نظرها لا يتعدى تحت قدميها.

الرؤية المستقبلية للتعليم قرار وصناعة وطنية في المقام الأول، تقرره قيادة الدولة، ويصنعه الخبراء في مجالات مختلفة، ولا تنجح رؤي إلا حينما تصبح رؤية المجتمع كله، فيسعى بكل جهد ليشارك في صناعتها وإنجازها، لأنها لصالح كل فرد فيه.

التعليم الفاشل تغيب عنه الرؤية، فيتخبط في القرارات، ويصبح مصير الوطن، رهن قرارات وقتية، هي في حقيقتها رد فعل لأزمات، أو مكسب لشرائح من الوطن، لا يهمها إلا مصلحتها، سواء كانت هذه المصالح مادية أو معنوية، ثم بعد الفشل، يستمر الفاشلون، ويكلفوا يتطوير ما فشلوا فيه، عكس ما قاله أينشتاين تماماًن حيث قال “إن العقول التي صنعت المشكلة لا تستطيع أن تحلها من نفس مستوى الوعي الذي صنعت به المشكلة”، ويعني أنه أم أن تترك القيادة الفاشلة أماكنها، ويجئ من هم أكثر وعياً وقدرة على حل المشكلة، أو يتم تدريب القيادة الموجودة لتصبح أكثر وعياً، بطريقة تجعلها أكثر قدرة على حل المشكلة.

لكن عندما تغيب المحاسبة، ويموت الضمير، لا يترك الفاشلون المناصب والكراسي التي يجلسون عليها، فيتخلف الوطن، بينما العالم يتقدم بسرعة الصاروخ.

عندما تحدد القيادة للوطن معالم المستقبل الذي تريد الوصول له، تدور آلة الوطن ليسير في اتجاهها، ولعل مهاتير محمد نموذج لهذا القائد، رسم مهاتير محمد الذي كان رئيساً لوزراء ماليزيا (1981-2003) خريطة لمستقبل ماليزيا حدد فيها الأولويات والأهداف والنتائج ، التي يجب الوصول إليها خلال ١٠ سنوات .. وبعد ٢٠ سنة .. حتى عام 2020 !!!  ساعده على ذلك أنه كان وزيرا للتعليم ثم وزيرا للصناعة، قبل أن يصبح رئيسا للوزراء، ولذلك عمل على أن يكون التعليم قاطرة الصناعة ومن ثم قاطرة الوطن للمستقبل. قرر مهاتير محمد أن يكون التعليم والبحث العلمي هما الأولوية الأولى على رأس الأجندة، وبالتالي خصص 25% من الميزانية القومية للتعليم، وتم وضع معايير عالمية للتعليم مع الالتزام بها بصرامة، أخذوا معايير من التعليم البريطاني، متجاوزين شعور الكراهية للمحتل السابق لهم، وأخذوا من ألمانيا معايير التعليم الفني العالمية، وأخذوا معايير من دول أخرى متقدمة، ووضعوا معايير للتعليم خاصة بهم خاصة بهم،  وأصبح في ماليزيا 80 جامعة حكومية وخاصة، بعد أن كانت 5 جامعات فقط، احتل بعضها مراكز في أفضل مائتي جامعة تم تصنيفها عالمياً، وتم افتتاح 50 ألف مصنع في مجالات متعددة ومتقدمة تكنولوجيا، ما كان لها أن تدار بكفاءة لولا إعداد خريجين مؤهلين من نظام تعليم متقدم قادر على المنافسة العالمية.

وهكذا صنع مهاتير محمد من شعب ماليزيا الذي وصفه الإنجليز بأنه كسول وغبي، دولة تقترب من الدول الثمان الكبرى في اقتصادها، عندما صنع لها رؤية، وأعطى الأولوية في هذه الرؤية للتعليم، وهكذا نستطيع أن نفعل في عالمنا العربي عندما يكون عندنا قائد مثل مهاتير محمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.