التَعْلِيم الفَاشِل (4) الدروس الخصوصية عنوانه.. بقلم: الدكتور أمين رمضان
عندما وقف وزير التعليم يوماً، ليكرم أوائل طلاب وطالبات الثانوية العامة في مصر، كنت سعيداً بهذا التكريم وكاد قلبي يطير من الفرح، لكن، بعد أن قال بعضهم أنه الفضل في هذا التفوق يعود للدروس الخصوصية التي كان يأخذها في معظم المواد، إن لم يكن كلها، أصابتني صدمة شديدة ودهشة، وشعرت أن الوزير الخطأ يقف في المكان الخطأ، وأن المشهد كله كذبة، أو دراما سوداء تستدعي الحزن وليس الفرح، فهذا التفوق ليس صناعة نظام التعليم المسئول عنه سيادة الوزير، ليحتفي به، ثم هل هو تفوق فعلاً؟.
عندما يكون هناك نظام تعليم صحيح، تختفي الدروس الخصوصية، فوجودها عَرَضْ لمرض، نتج من عوامل فساد كثيرة، مادية وأخلاقية، فرواتب المعلمين والمعلمات متدنية، ولا تكفي لتوفير ضرورات الحياة، وأخلاقية لأن منهم من توقف عن الشرح داخل قاعات الدرس، بل بعضهم يعلن صراحة للطلاب ذلك ويدعوهم للدروس الخصوصية، فلا يشرح المنهج في المكان الذي كان يجب أن يشرحه فيه، ليكون في المكان الذي يدفع له الطلاب ثمن النجاح، وتكون يد المعلم هي السفلى، وكرامته تهان كلما مد يده لمن يعلمهم ليستطيع مواصلة الحياة.
طبعاً الهدف الرئيس من الدروس هو الحصول على الدرجات، لأنه هاجس نظام التعليم كله، المصمم على أن تكون الدرجات هي الغاية التي يسعى الجميع للوصول إليها بالحق أو بالباطل، هذه الدرجات تكون بالحق عندما لا تكون بالغش، وبلا دروس خصوصية، بل من مدارس اهتمت ببناء عقل الطالب، ونمَّت تفكيره، وبنت شخصيته المحبه للتعلم والمعرفة، لكن حين يغيب هذا الدور، فيكون فيكون العلاج بداء آخر هو الكي بنيران الدروس الخصوصية.
في عام 2005 أعلن وزير التعليم حسين كامل بهاء الدين أن حجم الإنفاق على التعليم الأساسي في مصر 196 دولارا للطالب سنويا مقابل 3500 دولار في إسرائيل وما بين 4000 و5000 دولار في أوروبا و7000 في اليابان، أرقام صادمة لا تحتاج لتعليق ليدرك من يقرأها حجم المأساة.
بديهي أن تدني الإنفاق على التعليم، مع أن معظمه يذهب رواتب للقائمين عليه، يؤدي إلى تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية، كمصدر للدخل وتعويض لتدهور المدارس في نفس القوت، في عام 2015 كان عدد طلاب وطالبات مراحل التعليم ماقبل الجامعي في مصر 19 مليون، وأشارت تقديرات رسمية إلى أن العائلات المصرية تنفق ما يزيد على عشرين مليار جنيه مصري على الدروس الخصوصية، بالتأكيد هذه الأرقام في زيادة كل عام، وهي عبء كبير على أسر يعيش معظمها تحت خط الفقر، فتكدح ليل نهار لتوفر تكاليف الدروس الخصوصية من قوتها، وتدفعه مصحوبا بلعنات الغضب على كل من خرَّب نظام التعليم، الذي اختلت معه الحياه داخل البيوت أيضاً.
ثم تأتي الكذبة الكبرى، عندما يصافح الوزير الفاشل، أوائل الدروس الخصوصية، ويكافئهم ليجمل فشل الوزارة كلها، وتتوارى عن الأعين كل الآثار السلبية التي تنخر في عظام المجتمع، لكنها لا تتواترى عن الواقع بل تستمر في تقويض أركانه، وأخطرها الإنسان نفسه.
أعجبني ما قاله عميد كلية التربية بجامعة عين شمس السابق الدكتور “محمد أمين المفتي” إن للدروس الخصوصية تأثيرا على شخصية الدارس ليس فقط عندما ينهي المرحلة الثانوية وينتقل للجامعة، بل تمتد إلى طالب الدراسات العليا فهي تخلق داخله نوعا من “الاتكالية” والاعتمادية والسلبية وعدم المبادرة والتفكير ونوع من الخمول العقلي وعدم الابتكار لأنه تعود على أن تلقن له المعلومة بدون عناء لذلك لم ينشأ داخله مشروع باحث لينقب عن المعلومة والمعرفة.
وهذه هي المصيبة الكبرى ولها حديث مستقل