الجاهل الكائن والجاهل الكامن

بقلم / الفنان أمير وهيب 

تستخدم كلمة جاهل في وصف شخص غير متعلم ، و تستخدم نفس الكلمة  في وصف شخص غير مثقف أيضا و سوف أطلق على هذا النوع من الجاهل ، لقب الجاهل الكائن.

و هناك نوع ثاني من الجاهل هو الجاهل المتعلم و الجاهل المثقف ، و سوف أطلق على هذا الجاهل لقب الجاهل الكامن ، باعتبار أن جهله كامن مستتر داخل شخصيته حتى بعد إتمام تعليمه.

والجاهل الكائن والكامن هما درجات في جهلهما ما بين لا يعرف القراءة و الكتابة رسميا وتعليم متواضع وتعليم عالي ذو معتقدات ومفاهيم مغلوطة ومتطرفة.

الفرق بين الجاهل الكائن والجاهل الكامن واضح فقط من خلال التطبيقات العملية والممارسة.

و اذا كان الجاهل الكائن ينقصه المعرفة يكون الجاهل الكامن ينقصه الوعي.

بحر المعرفة شاسع و عميق و لا يمكن لأي متعلم ان يكون على معرفة تامة و ايضا لا يمكن لأي مثقف ان يعي و يدرك كل المفاهيم.

الجاهل الكامن هو شخص متعلم ولكن تعليمه لم يوافق ثقافته المغلوطة.

لأن التعليم معرفة والثقافة إدراك و ممارسة.

بمعنى آخر اذا كان التعليم البصر تكون الثقافة هي البصيرة.

التعليم هو ظاهر الأشياء و الثقافة هي باطن الأشياء.

الجاهل الكائن والجاهل الكامن 1

ولتوضيح المعنى وعن تجارب قمت بها اخترت لك عزيزي القارئ بعض الأمثلة من قائمة طويلة جدا :

في اغنية فريد الأطرش ” ل كتب ع وراق الشجر ” – ١٩٧٣.

يقول : ل اكتب ع وراق الصفصاف يا دولاب العمر اوقف.

كلمة ” دولاب ” هنا غير مفهومة احيانا للمتعلم و لغير المتعلم ، الذي يعتقد ان دولاب بمعنى خزانة ملابس ، و لكن دولاب هنا ، و معناها ، من التركية العثمانية دولاب او طولاب ويقول عن الدولاب أنه يدور.

وأصل الكلمة التركية من الفارسية دولاب بمعنى ناعورة الماء كما تعني كل آلة تدور.

كما تعني الخزانة أيضا.

و في النهاية يتوقف المعنى على سياق الكلام.

الجاهل الكائن والجاهل الكامن 2

ومثال آخر مع جاهل كامن في درجة تعليم عالية ، و لا يعرف معنى كلمة  “Epistemology”.

أولا ، الكلمة من مقطعين ، كلمة ” ology ” ب الانجليزية تعني ” علم ” و الكلمة هي جزء وال” مقطع ” الثاني ، من أسماء و مصطلحات عديدة اشهرها ” Techn – ology ” تكنولوجي و غيرها كثير ، من عينة ” Ge – ology ” جيولوجي ، و إذا كان ” اولوجي ” بمعنى ” علم ” يكون ” Onomy ” ” اونومى ” هو مجموعة المعرفة والقواعد المحيطة بهذا العلم.

يعني في حالة ال ” Astr ” بمعنى ” نجم ” يكون ” Astrology ”  ” استرولوجي ” هو علم التنجيم ، و ايضا ، و لازلنا مرتبطين ب النجم يكون ” Astronomy ”  ” استرونومي ” هو ما يحيط هذا العلم من دراسة ” الفلك ” و مايرتبط به من ” أبراج ” و ” حظك اليوم “.

و يكون ” Episteme ” و معناها ” معرفة ” في حالة ” Epistemology ” هو ” علم المعرفة ” و معروفة ب ” نظرية المعرفة ” و هي دراسة لطبيعة المعرفة ، الشرح و التبرير ، وعقلانية الاعتقاد و الإيمان. يوجد جدل كبير حول مراكز نظرية المعرفة التي تتفرع إلى أربع مناطق:

١- التحليل الفلسفي لطبيعة المعرفة ومدى ارتباطها بمفاهيم مثل الحقيقة ، والمعتقد والتبرير.

٢- مشاكل ومواضيع التشكيك المختلقة.

٣- مصادر ومجالات المعرفة والمعتقدات المبررة.

٤- معايير المعرفة والتبرير.

تتناول نظرية المعرفة أسئلة مثل : ما الذي يجعل المعتقدات المبررة مبررة ، ماذا يعني أن نقول أننا نعرف شيئا ما؟ وبشكل أساسي ورئيسي كيف نعلم أننا نعلم؟

 الجاهل الكامن في أدنى درجة ، هو يحكم على الناس من مظاهرهم ، و يعتقد مثلا ان اكل ” البط ” هو اكل الفلاحين و الجهلة ، في حين ان كبرى مطاعم نيويورك و لندن تقدم طبق البط على قائمة اشهى المأكولات الفاخرة.

الجاهل الكامن ، غير مثقف ، بعد أن يكمل تعليمه ،  يترك أهله في الأرياف و يشمئز مثلا من أكل ” البتاو ” ، في نفس التوقيت الذي يأكل فيه البتاو بعد ” تغليفه ” و تغيير اسمه إلي ” دوريتوس ” و ” توستيتوس ” و أصبح منتج أمريكي.

الجاهل الكامن ، المصري ، يعتقد أن استخدامه اللغة الانجليزية في حواره مع المصريين هو من مظاهر ثقافته ، في حين انه في حقيقة الأمر ينتقص من وطنيته.

وأعلى درجة للجاهل الكامن المتعلم غير المثقف  نجدهم في نجوم الإعلام ، و منهم من هو رئيس تحرير جريدة ، في جريدته صفحة الرياضة هي اخبار كرة القدم فقط و صفحة الثقافة هي اخبار الكتاب فقط.

لذلك يكون الجاهل الكامن أخطر من الجاهل الكائن

في مصر ، ثقافة يعني كتاب ، رياضة يعني كرة قدم ، فن يعني تمثيل.

منتهى البساطة والسطحية في التعليم والثقافة ، وهذا يتعارض مع الإبداع الذي يحتاج المعرفة و الإدراك معا في كل  المجالات لنهضة حقيقية.

بحر المعرفة شاسع وعميق ومن يريد ان يعرف لابد وان يجيد التجديف و السباحة ، يجيد التعليم و الثقافة ، حتى لا يكون  مجرد خبط في الماء دون غوص و حركة.

في مصر أخطاء الجاهل الكامن من المتعلمين و المثقفين هي أخطر من أخطاء من هم جهلة رسميا.

تعليم المواطن المصري لابد أن يعتمد على بناء شخصية تتيح له فيما بعد أن يبحر في المعرفة و إدراك ان ما يعتقده شخص أن المظهر الغني هو شئ هام يكون في نظر شخص آخر ان النظافة أهم.

ولتوضيح المعنى ، في عالم الاناقة مثلا هناك ناس تركز على جودة و فخامة الملابس والعطور ، في حين ان أهم نقطة في الاناقة هي الاستحمام الجيد.

اما أهم نقطة لنهضة مصر ووصولها لمرحلة منافسة الدول العظمى هي ” الإنتاج ” والتصدير.

والإنتاج ، هو محصول ثمرة الإبداع الناتجة من لياقة التعليم و لباقة الثقافة.

الجاهل الكائن والجاهل الكامن 3

أمير وهيب 

كاتب وفنان تشكيلي 

 

Exit mobile version