أراء وقراءات

الجرأة المزيفة: كيف يستخدم البعض السوشيال ميديا للهجوم بلا ضمير

بقلم / الدكتورة هناء خليفة

في عالمنا الرقمي اليوم، أصبحت السوشيال ميديا منصة لكل شيء: تبادل الأخبار، النقاش، الترفيه، وأحيانًا… الهجوم بلا رادع. كثيرون يشعرون بأن وجودهم خلف شاشة الهاتف يمنحهم حرية مطلقة للانتقاد، الهجوم، أو حتى الشتائم، معتقدين أن الاختباء وراء لوحة المفاتيح يحميهم من أي عواقب. هذه الجرأة المزيفة ليست مجرد تصرفات طفولية، بل تعكس تحولًا اجتماعيًا ونفسيًا يستحق الدراسة والفهم.

*لماذا يتحول المستخدم للعدوانية الرقمية؟

١- الإحساس بالاختباء والأمان: الشاشة تمنح شعورًا بالحماية، بحيث يمكن للفرد أن يعبر عن غضبه أو استياءه بلا خوف من مواجهة مباشرة.

٢-  غياب الرقابة الاجتماعية المباشرة: في الحياة الواقعية، يردعنا المجتمع عن الإساءة، بينما الإنترنت يخفف هذا الردع ويخلق شعورًا بالإفلات من العقاب.

٣- الرغبة في التعبير عن الذات أو السيطرة: بعض المستخدمين يشعرون بالقوة عند مهاجمة الآخرين، أو التعبير عن آرائهم بطريقة هجومية لجذب الانتباه أو الشعور بالأهمية.

٤- الضغط النفسي الشخصي: في بعض الحالات، ينقل الأشخاص ضغوطهم اليومية ومشاكلهم الشخصية على الآخرين عبر المنصات الرقمية، متخذينها متنفسًا للهجوم.

*تأثير الهجوم الرقمي على الآخرين

الهجوم الرقمي لا يقتصر على كونه مجرد كلمات على الشاشة، بل له آثار حقيقية وعميقة:

▪️التأثير النفسي: يزيد من القلق، التوتر، وفقدان الثقة بالنفس. بعض الأشخاص قد يصل بهم الأمر للانعزال أو حذف حساباتهم حمايةً من الإساءة.

▪️التأثير الاجتماعي: قد يضر بعلاقات الضحية، سواء مع الأصدقاء أو أفراد العائلة، خاصة إذا انتقلت الخلافات الرقمية إلى الواقع.

▪️التأثير المهني: الانتقادات والهجمات على المنصات الرقمية قد تؤثر على سمعة الشخص في العمل أو المجتمع، خصوصًا إذا كانت هناك جماعات كبيرة تشارك في الهجوم.

*مسؤولية كل مستخدم

السوشيال ميديا ليست ساحة حرب مفتوحة. النقد البنّاء مسؤولية، والكلمة الجارحة جريمة اجتماعية غير مرئية لكنها حقيقية الأثر. الحرية الرقمية الحقيقية لا تعني الهجوم بلا حساب، بل القدرة على التعبير بوعي واحترام، والتفكير في أثر كل كلمة قبل نشرها.

*نحو مجتمع رقمي صحي وآمن

لتقليل هذه الظاهرة، هناك خطوات عملية يمكن لكل مستخدم اتباعها:

١- تعليم الثقافة الرقمية: الوعي بأثر الكلمات والحد من الهجوم العاطفي.

٢- تعزيز التعاطف والاحترام: محاولة فهم الآخرين قبل إصدار الحكم عليهم.

٣- تبني أدوات الحماية الرقمية: مثل حظر الحسابات المسيئة والإبلاغ عن الإساءة.

٤-  تشجيع النقاش البنّاء: فتح حوارات منظمة على المنصات الرقمية بدل الرد العشوائي والهجوم.

ضرورة الوعي والانضباط الذاتي

وختاماً… الجرأة المزيفة خلف الشاشات تبدو بلا ثمن، لكنها تحمل تبعات حقيقية على النفس والمجتمع. إذا أردنا أن تتحول السوشيال ميديا لمنصة حوار راقٍ، يجب أن نتبنى مسؤولية كلماتنا، ونستخدمها للبناء لا للهدم، فالحرية الرقمية الحقيقية تبدأ بالوعي والانضباط الذاتي.

دكتورة هناء خليفة 

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى