السودان

الجزيرة تحت السلاح .. بين الدفاع عن النفس وخطر الفوضى

كتبت : د.هيام الإبس

مع اشتداد الصراع بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع فى ولاية الجزيرة وسط السودان، يجد المدنيون أنفسهم عالقين فى خضم معركة لم يختاروها، الدعوات إلى تسليح السكان المحليين وتصاعد الانتهاكات فى المنطقة خلقت مشهداً معقداً، حيث بات المواطنون يحملون السلاح للدفاع عن حياتهم وأراضيهم، بينما تتزايد التحذيرات من الخبراء والمحللين من التداعيات الكارثية لهذا القرار على المدى القريب والبعيد.

الجزيرة تحت السلاح .. بين الدفاع عن النفس وخطر الفوضى 2

لم يكن أمام سيف الدين على، أحد سكان قرى شرق الجزيرة، خيارً ، سوى حمل السلاح بعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع قريته، يروى سيف قائلاً: هاجمونا دون أى سبب، لم تكن هناك قوات مسلحة أو مظاهر عسكرية فى قريتنا، طلبنا من القوات المسلحة توفير الأسلحة، ولم يتأخروا فى الاستجابة.

وأضاف: نحمل السلاح اليوم لنحمى أرواحنا وممتلكاتنا، ليس بدافع قبلى أو سياسى، بل دفاعاً عن حياتنا، فى مواجهة خطر الدعم السريع.

قصة سيف ليست سوى جزء من واقع أشمل يعيشه سكان ولاية الجزيرة على الأرض، حيث تتواصل المعاناة الإنسانية فى شرق الولاية، بعد تعرض منطقة تمبول فى 22 أكتوبر الماضى، لحملة انتهاكات عنيفة بعد سيطرة الدعم السريع عليها، مما أسفر عن سقوط أكثر من 300 قتيل، بينهم نساء وأطفال، وبحسب شهادات الناجين فقد تكدست الجثث على الطرقات، فيما نزح معظم سكان المدينة بحثاً عن الأمان.

الجزيرة تحت السلاح .. بين الدفاع عن النفس وخطر الفوضى 3

فى ظل هذا الواقع تجددت الدعوات إلى تسليح المدنيين، على لسان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان خلال مراسم عزاء قائد منطقة البطانة، العميد أحمد شاع الدين. فى حديثه هناك، دعا البرهان بشكل واضح إلى تسليح كل من يستطيع حمل السلاح، مشيراً إلى أنه قد سبق أن استجاب لطلبات بعض القبائل بتسليحها، وأن قبيلة الشكرية ستتلقى الأسلحة المطلوبة وفقاً لطلبها.

وسبقت دعوة البرهان الاخيرة، حديث قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتى)، فى 10 أكتوبر، بأن الحرب تدخل مرحلة جديدة، متوعداً بحشد مليون مقاتل.

هذه الخطوة دفعت بمزيد من المدنيين إلى الانخراط فى القتال، مع تسليحهم بأسلحة خفيفة مثل الكلاشينكوف وفقاً لحديث سيف الدين على.

وتبادل الاتهامات بين الأطراف يزيد من تعقيد المشهد بشكل كبير، عضو المكتب الاستشارى لقائد الدعم السريع، إبراهيم مخير، اتهم القوات المسلحة والحركة الإسلامية بالتخطيط لإشعال حرب أهلية فى ولاية الجزيرة.

وذكر أن كتائب الحركة الإسلامية سلحت القرى فى مناطق الشرق والوسط بمساعدة الاستخبارات، وأضاف أن البرهان لم يقتصر دوره على التحريض، بل أمر بفتح مخازن الأسلحة وتوزيعها على المدنيين تحت اسم “المستنفرين”.

وقد حذر  خبراء ومحللون ، من أن قرار تسليح المدنيين فى السودان يحمل فى طياته مخاطر جسيمة قد تخرج الأوضاع عن السيطرة، واعتبروا ان إشراك المدنيين فى الحرب الحالية هو “جريمة” ستترك آثارً مدمرة، وأن انتشار السلاح سيخلق فوضى طويلة الأمد، تهدد استقرار السودان حتى بعد انتهاء الصراع

واعتبر الخبير العسكرى عمر أرباب،  ان تسليح المواطنين فى قرى الجزيرة بأسلحة خفيفة دون تدريب كافٍ، يُعرّض حياتهم للخطر، خاصةً فى ظل التفوق التسليحى لقوات الدعم السريع.

بالمقابل وصف المحلل السياسى خالد محمد الحسن،  تسليح المدنيين، خلال الحرب الحالية بالـ “الجريمة”، واوضح، أن طرفى النزاع أدخلا المدنيين فى أتون الصراع لأسباب غير موضوعية، لافتاً إلى أن آثار تسليح المدنيين ستكون وخيمة على المدى القصير والبعيد، موضحاً أن حمل المواطنين للسلاح دون تدريب كافٍ يجعلهم عرضة لخطر الموت الفورى، لأنهم غير مؤهلين للمشاركة فى القتال بشكل فعال، وحذر من انتشار السلاح بصورة كبيرة عقب انتهاء الحرب، حيث سيصبح من الصعب السيطرة عليه، مما سيؤدى إلى استخدامه لأغراض شخصية، وهو ما يهدد استقرار البلاد، ودعا كلا الطرفين إلى إبعاد المدنيين عن الصراع وعدم الزج بهم فى المعارك مهما كانت الأسباب.

وأضاف محذراً: إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو، فقد تتحول الحرب من صراع عسكرى إلى حرب أهلية شاملة، ما سيكون كارثياً على البلاد.

ويبقى القلق قائماً حول مستقبل المدنيين العالقين فى قلب الصراع الدائر بولاية الجزيرة  فتسليح السكان، دون تأهيل أو تنظيم، ينذر بمخاطر جسيمة قد تمتد تأثيراتها لسنوات قادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.