عدد هائل من البشر يعشقون الحركة في الإتجاه الخاطئ بلا وعي
قرأت مؤخراً رواية ” شيفرة بلال ” للكاتب د.أحمد العمري و خلال رحلتي داخلها كانت لي وقفات تأملية كثيرة على واقعنا المعاصر ، المؤلف أيقظ داخلي سيل من المشاعر وهو يقارن بين صخرة سيزيف و صخرة بلال .. لم أنم يومها إلا بعد أن قمت بتدوين خواطري الخاصة حولها مستخدما أسلوب الكاتب الرائع في المقابلة و إن إختلفت كلماتنا أو إتفقت .. ولكن روايته أيقظت داخلي جبالا من الأحاسيس لم تفعله غيرها من الروايات المعاصرة الحديثه
صخرة سيزيف ( أسطورة سيزيف )
أسطورة اغريقية ملخصها أن الآلهة تعاقب “سيزيف” بأن يقوم بحمل حجر ضخم إلي قمة جبل ، وهناك وقبل الوصول إلي القمة ، يسقط الحجر إلى القاع ، ويكون على ” سيزيف ” أن يحمل الحجر مرة أخري ، ويتكرر ما حدث معه مجددا ً، مرة تلو المرة تلو المرة إلي ما لا نهاية.
عدد هائل من البشر مثلهم مثل “سيزيف” يعشقون الحركة في الإتجاه الخاطئ بلا وعي .. وكأن الطريق المعبد الوحيد في الكون هو الطريق الذي ينتهي دائما بحركة السقوط لنقطة البداية .. يحملون هموم البشرية وفي داخلهم نيات مخلصة لحلها ولكن دوما يستخدمون ذات الوسائل التي تؤدي للسقوط ، لا الهموم تم حلها ولا النيات الصادقة بمفردها أوجدت حلولاً.
دائرة مغلقة نقطة البداية هي نقطة النهاية ، وهي هي نفس الصخرة التي يحملونها .. نفس المشاكل والألم والمعاناة .. وكأن الأمر تحول لإدمان ولكنه إدمان من نوع آخر .. المدمن يعلم أنه مدمن ولكن المدمن هنا لا يدري أنه قد وقع في المحظور .. لم يتوقف “سيزيف” ليفكر أهناك وسيلة أخري لحمل الصخرة تجعله عندما يقترب من القمة لا يفقدها أو يبحث في طريق أخر يجعل حمله للصخرة لا يضغط على عضلاته ليكون دفعها إلي القمة أيسر، لم يتوقف “سيزيف” ليتسائل بل كان همه الوحيد أن يواصل الصعود ويواصل حمل الحجر.
الحركة الإسلامية بمختلف أطيافها الصغير منها والكبير فعلت نفس الشئ ، نفس الطريق بنفس الهموم ، كلما توهمت أنها أنضجت نقطة إتزان تدحرجت عليها للأسفل لتبدأ رحلة الصعود السيزيفية مرة أخري.
أما آن لها أن تتوقف لتقيم مسلكها .. تحلل مساراتها ووسائلها السابقة .. تقيم الأرض التي تقف عليها وتعيد دراسة إمكانتها .. وتحدد الرؤي بأسلوب عملي يخرجها من نطاق الوهم لحيز الحقيقة..
يقول ألبير كامو في مقاله المنشور عام 1942 والمسمى أسطورة سيزيف ” … أن المرء لابد أن يتخيل أن سيزيف سعيد مسرور. تماما كما أن النضال والصراع والكفاح ذاته نحو الأعالي والمرتفعات كاف وكفيل بملأ فؤاد الإنسان حيث بقول عنه ليس هناك عقاب افظع من عمل متعب لا أمل فيه ولا طائل منه”
السعادة التي يشعر بها كل من يتصدي للعمل العام وحمل هموم البشرية تتحول لكابوس رهيب إن لم ترتبط برؤية واضحة لمواطن القدم أو الظروف المحيطة أو قدرات و إمكانات من يقاومك وحجم الضغوط وكيفية التعامل معها.. السعادة تتحول لحلم يصعب تحقيقية إن حملت رؤية ساذجة أو تصورت أن العالم ينتظرها إن تمكنت.
نعم لقد أدمن الكثير من المهيمين على العمل الإسلامي أسلوب سيزيف وأصبح الدفاع عنه ثابت من الثوابت الحركية يقاس عليه الثبات على المبدأ والإخلاص للفكرة.
صخرة بلال
حمل بلال الصخرة الكبيرة لم يحركها أو يستنزف قوته في مقاومتها فعلي بساطته كان تقييمه للموقف صحيح … إن قاوم الآن سيزداد الضغط عليه وتزيد الصخور و لن يحتمل جسده أكثر .. ” أحد … أحد .. ” النداء الذي أطلقته الحنجرة القوية الندية لتضعه في إتجاه البوصلة الحقيقية للنجاة ” أحد .. أحد .. ” قال كلمة التوحيد كما لم يقلها أحد قبله أو بعده ..قالها وبقيت أبد الدهر طريقا جديدا للتفكير خارج الصندوق .. لم يسب الآلهة أو المشركيين ولكنه وجه نظره لأعلي نقطة ليجذب لها الإنتباه ” أحد … أحد “. لم يقلها لجلب الإستعطاف أو طلب الطعام أو المعاملة الإنسانية من سجانيه ،ولكنه قالها لتسكن قلب من يجلده لعل يوما يأتي فينطقها بنفس إيمانه الصادق ” أحد .. أحد ” .. كلمة قوية فيها تحركت السنن الربانية مجتمعه لتنقذ قائلها من يد جلاديه و بقانون الجلاد ذاته..
بون شاسع بين صخرة سيزيف وصخرة بلال
كثير منا يسير في الحياة بسيزيفية و النادر من ينتهج طريق بلال … كيف أخرج من الأولي ؟ وكيف أمتلك الثانية ؟
مهارة لها حديث آخر