كلما حاولت البحث والكتابة عما يدفع بقطار الوطن، أي وطن للتحرك بسرعه نحو المستقبل، أجد عنوان المقال أمامي، يأبى أن يتحرك ليفسح المجال لشيء آخر يتقدمه، فأتوقف عن الكتابة، لأن الهموم كثيرة، ووسائل الإصلاح أكثر، لكن هيهات، أن يتحرك.
وكلما وضعت عنوان آخر لأكتب عنه، ينفرط عقد الأحرف، ثم تتشكل مرة أخرى في نفس العنوان “الحرية أولاً”.
استسلمت وجلست أفكر مع نفسي وأتساءل:
هل يمكن أن يتحرك قطار أي وطن للمستقبل قبل أن ينال حريته؟
كانت الإجابة لا، وأنه لابد للإنسان الذي يقود قطار الوطن من أن يكون حراً أولاً.
ثم تساءلت: هل الحرية أصيلة في الإنسان؟ أم أنها طارئة عليه؟
قررت أن أبحث عن الإجابة في تتبع رحلة الإنسان منذ اللحظة الأولى التي عرض الله سبحانه وتعالى عليه الأمانة إلى أن أرسل إليه آخر رسالة ورسول، اسمحوا لي أن أستأذنكم في صحبتي في هذه الرحلة، إن أردتم ذلك، وهي رحلة عقول وتفكير ومنطق فيما نراه أو نعرفه فيها، ليس شرطاً أن تكون مؤمناً بالوحي حتى ترى المعاني وتدركها، لكن فقط ركز على الإنسان.
عرض الله سبحانه وتعالى الأمانة عليه، فكانت الأمانة عرضاً لا فرضاً، وهل من الممكن أن يكون لهذا العرض قيمة لو لم يكن الإنسان حراً، وهل يختار إلا الأحرار؟
أبلغ الله سبحانه وتعالى آدم وحواء ومِن ورائهما البشرية جمعاء، بأنه سيرسل لها هدى، والإنسان حر في أن يختار، إما اتباع الهدى أو الكفر به بمعنى إنكاره وعدم اتباعه.
كان الأمر الإلهي واضحاً تماماً للنبي صلى الله عليه وسلم كآخر رسول وخاتم النبيين (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ
– الغاشية ٢١-٢٢)، أي أن الإنسان حر في اختيار العقيدة التي يؤمن بها أو يعتقدها، وهو أهم اختيار في حياة الإنسان.
حتى في قولة عمر بن الخطاب المشهورة لعمرو بن العاص والي مصر في ذلك الوقت “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”
الإسلام كرسالة أخيرة للبشرية، جعل الغاية الكبرى من تشريعاته الحفاظ على الدين والعقل والمال والعرض والنفس، حتى يظل الإنسان حراً.
لا يحتاج الإنسان إلى كثير من الذكاء عندما يتأمل دول العالم، فيعرف أن الدول التي تقدمت هي التي وفرت قدر كبير من الحرية لشعوبها، وأن الدول التي تخلفت هي التي نزعت الحرية من شعوبها وساستهم بالحديد والنار.
وهكذا كلما أبحرناً في الزمن هنا وهناك سنجد أن قطار أي وطن لن يتحرك خطوة واحدة إلا عندما تكون “الحرية أولاً”.
عندما يعي الإنسان أن الحرية أصيلة في خَلْقِه، وأنها البيئة الصالحة للعمران الإنساني والكوني، فسيعرف أن أعداءه وأعداء وطنه هم كل من يسلبون هذه الحرية بأي وسيلة كانت، وأن الأوطان لن تنهض إلا عندما تكون “الحرية أولاً”.
نعم الحرية اولا …. ولكن اين هى هذه الحرية … نحن اسرى حتى ولو كنا فى داخل بيوتنا … محتلون حتى فى افكارنا
نحن نفتفد لطعم الحرية …. ولكننا لانفقد الامل ابدا .. فمهما طال الليل لابد من طلوع الفجر