دراسة .. الحوثيون ومستقبل الدولة اليمنية
في عام 1991 تم تأسيس تنظيم يسمى” الشباب المؤمن” في محافظة صعدة اليمنية، على يد حسين بدر الدين الحوثي الشاب البالغ من العمر 28 عاما لان الوثائق تشير الى أنه ولد عام 1963. وكان وقتها نائبا في البرلمان اليمني ممثلا لـ “حزب الحق” الذي تأسس عام 1990 بعد شهور من اعلان الوحة اليمنية وسماح الدستور بالتعددية السياسية .
وتأسس التنظيم كجمعية لتأهيل الشباب بدراسة العلوم الشرعية وفق رؤية زيديه، وتنمية ورعاية المواهب الإبداعية لدى الشباب في شتى المجالات. ووفقا لدراسة للدكتور أحمد محمد الدغشي، أستاذً أصول التربية وفلسفتها المشارك في كلية التربية بجامعة صنعاء، جذبت مراكز وحلقات هذا التنظيم كثير من الطلاب من مختلف المحافظات ، وبلغت أعدادهم وفقًا لبعض التقديرات حوالي 18000 طالب يدرسون في 67 حلقة ومركزًا، وتنتشر في 9 محافظات يمنية بما فيها بعض المحافظات ذات الطابع الشافعي السني أو المختلط.
وتحول التنظيم الى العمل السياسي عام 1997 وبدأ يرفع الشعارات السياسية لحزب الله اللبناني ، وتكررت زيارات حسين الحوثى ووالده بدر الدين الى ايران . ونظم التنظيم رحلات للمئات من الشباب لزيارة مقدساتهم في النجف وكربلاء بالعراق وقم الايرانية ،وتستروا ورائها لتدريبهم على حرب العصابات والعمليات العسكرية على ايدى الحرس الثوري الايراني . وفي مارس عام 2004 تم الاعلان رسميا عن وجود ميليشيات مسلحة للحوثيين.
وادى اصرارهم على ترديد شعار حزب الله وهو ” الله أكبر …. الموت لأميركا … الموت لإسرائيل … اللعنة على اليهود … النصر للإسلام ” علانية الى وقوع اول مواجهة عسكرية معهم في 18 يونيو عام 2004 وقتل فيها حسين الحوثي، الذي إدعى الإمامة ،عن عمر 46 عاما. وخلفه في قيادة التنظيم شقيقه عبد الملك الحوثي وهويبلغ من العمر 25 يوما حيث ولد في صعدة عام 1979 ، ولا يزال حتى اليوم يتزعم التيار الحوثي متجاوزاً شخصيات بارزة أخرى من التيار، ومن بينها عدد من أشقائه الذين يكبرونه سناً ، وقاد عبد الملك 5 حروب ضد الدولة اليمنية حتى عام 2010.
ويؤكد الخبراء والمحللون الاستراتيجيون أن الحوثيين خاضوا 6 حروب ضد الدولة اليمنية، ما بين عامي 2004 و2010، وخرجوا في نهايتها وهم الطرف الأضعف سياسيًا وعسكريًا. بل ان الحرب الاخيرة انهكتهم كثيرا مما دفع ايران أن تطلب من سوريا التدخل لوقفها .
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه ماذا حدث خلال السنوات الأربع التالية حتى اصبح الحوثيون القوة الكبرى الوحيدة وسيطرت على مقدرات الدولة اليمنية. وبعد بحث مطول وقراءة العشرات من الدراسات والكتب حول الظاهرة الحوثية المعقدة ، وجدت الاجابة في دراسة جادة للباحث مصطفى شفيق علام بعنوان “التقدم الحوثي .. من دماج إلى حاشد ومستقبل الدولة اليمنية” من منشورات معهد العربية للدراسات.
وترى الدراسة أن ثورة الشباب التي اندلعت مع مطلع العام 2011 ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، غيرت، إلى حد كبير، من طبيعة الحراك السياسي في البلاد، ودفعت الحوثيين “الشيعة” إلى واجهة الأحداث مستفيدين من ضعف الدولة من جهة، ومن الصراع السياسي الداخلي المحتدم بين الأطياف المختلفة من جهة أخرى. واوضحت الدراسة أن الداخل اليمني مليئ بأطراف يرون في إسقاط الدولة أو إضعافها على أقل تقدير، هدفًا مشتركًا، يحقق لكل فاعل منهم أهدافه الاستراتيجية النهائية. ولعل أبرز هؤلاء الاطراف، إلى جانب الحوثيين، قوى الحراك الجنوبي، وتنظيم القاعدة وقوى الرئيس السابق على عبد الله صالح. ويتقاسم الحوثيون مع قوى الحراك الجنوبي هدف إقامة دولة مستقلة لكل منهما، في حين يتقاسم الحوثيون والقاعدة هدف إثارة الفوضى وإضعاف قبضة الدولة لسهولة تحركهم اللوجيستي على الأرض، أما قوى النظام السابق علي عبد الله صالح فإنهم يتقاسمون مع الحوثيين العداء لقبائل حاشد وآل الأحمر، ورغبتهم المشتركة في إفشال المرحلة الانتقالية وترتيباتها بما يمكنهم في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية.
وتختم الدراسة الى ان الحوثيين عظموا مكاسبهم العسكرية، ومن ثم السياسية، على الأرض، مستندين في ذلك على حالة من التغاضي “المريب” للقوى الإقليمية والدولية، بفعل المخاوف من صعود قوى الإسلام السياسي خلال ما يعرف بـ”ثورات الربيع العربي” ، والاستفادة من الاستراتيجية الغربية الداعمة للأقليات لإحداث توازن سياسي ومجتمعي مع قوى الإسلاميين، والحرب الدولية على الجماعات المسلحة، غير الشيعية، وفقًا لاستراتيجية مكافحة الإرهاب.
والأخطر في في ظاهرة الحوثيين يتمثل في الدعم الايراني الذي بدأ مستترا ثم ظهر علانية بعد سقوط صنعاء. وهذا ما كشف عنه صراحة نائب مجلس الشورى الإيراني علي رضا راذكاني بتأكيداته “أن الثورة الإسلامية وجدت صداها في صنعاء، إضافة إلى ثلاث عواصم عربية أخرى، هي بغداد ودمشق وبيروت “. كما كان واضحًا ترحيب المنابر الإعلامية الشيعية بما حدث في اليمن، حيث احتفت بـ”احتلال” صنعاء، واعتبرته من النجاحات التي حققتها الثورة الإسلامية.
والاشد خطورة عدم ادراك العرب للمطامع الايرانية التي تحركها احقاد تاريخية تعود الى اسقاط الحكم الفارسي في اليمن والعراق بل وسقوط الامبراطورية الفارسية على يد الفاتحين العرب.