الخارجية الأمريكية تعلن إلغاء اجتماع الرباعية بشأن السودان
الفاشر تحت الحصار .. شبح المجاعة يهدد المدينة وقوات الدعم السريع تطوقها

كتبت : د.هيام الإبس
في تطور غير متوقع، أعلنت مصادر دبلوماسية مطلعة داخل وزارة الخارجية الأمريكية عن إلغاء الاجتماع المرتقب للجنة الرباعية المعنية بالأزمة السودانية، والذي كان من المزمع عقده في العاصمة واشنطن اليوم الأربعاء 30 يوليو، بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، تحت رئاسة وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو.
ورغم اكتمال الترتيبات الفنية وارتفاع سقف التوقعات، لم تُفصح وزارة الخارجية الأمريكية عن الدوافع الحقيقية وراء إلغاء اجتماع الرباعية، الذي جرى التحضير له على مدى أسابيع، وسط تنسيق إقليمي مكثف، وشبه توافق على بيان ختامي كان معدّاً سلفاً لتأكيد مخرجات الاجتماع.
وكانت واشنطن قد وضعت أجندة واضحة لهذا اللقاء، تضمنت إطلاق عملية حوار سياسي بين الجيش وقوات الدعم السريع، ووقف التدخلات الأجنبية، وضمان وحدة وسيادة السودان، إضافة إلى إقرار مبادرات إنسانية عاجلة، وإنهاء العمليات العدائية عبر بيان مشترك يعكس موقفاً دولياً موحداً تجاه الأزمة.
في المقابل، سادت حالة من التشكيك بين النشطاء والفاعلين السودانيين بشأن فاعلية الاجتماع المرتقب وجدواه العملية، لا سيما في ظل غياب طرفي النزاع الأساسيين، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عن طاولة المحادثات، وهو ما اعتُبر مؤشراً على محدودية قدرة الاجتماع على إحداث اختراق ملموس في ملف وقف إطلاق النار أو توفير حماية فعلية للمدنيين المحاصرين في مناطق النزاع.
في السياق ذاته، كشف السفير المصرى لدى واشنطن، معتز زهران، عن ترجيحات بتأجيل الاجتماع إلى شهر سبتمبر المقبل، مؤكداً أن أطراف الرباعية لا تزال متمسكة بممارسة الضغط الدولي لدفع مسار تسوية سياسية شاملة في السودان.
من جانبها، رأت الباحثة المتخصصة في الشأن السوداني بمعهد واشنطن، أريج الحاج، أن الإلغاء لا يرتبط بعدم حضور أطراف النزاع، بل يعكس انقسامًا داخل الإدارة الأمريكية بشأن توسيع إطار المشاركة الدولية، مشيرةً إلى أن وزير الخارجية كان يسعى لضم دول مثل قطر وبريطانيا وممثلين عن الاتحاد الأوروبي والأفريقي، بينما فضّل مستشار الرئاسة الأمريكية مسعد بولس، الإبقاء على
تركيبة الرباعية الأصلية، خصوصاً في ظل الإعلان المثير للجدل عن حكومة تأسيس موازية بدعم من قوات الدعم السريع.
ويرى مراقبون أن عدم تحديد موعد بديل للاجتماع يبعث بإشارات سلبية للقوى المدنية السودانية، ويهدد بتوسيع هامش المناورة أمام الأطراف لمواصلة التصعيد العسكري على الأرض، في وقت تتعالى فيه الأصوات الدولية المطالِبة بموقف أكثر حزماً وحضوراً لإنهاء واحدة من أعقد الأزمات في تاريخ السودان الحديث.
الفاشر تحت الحصار .. شبح المجاعة يهدد المدينة وقوات الدعم السريع تطوقها
حصار خانق وأزمة إنسانية متفاقمة
تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان، أزمة إنسانية كارثية حيث يواجه سكانها المجاعة والموت جوعاً تحت حصار مشدد تفرضه قوات الدعم السريع منذ مايو 2024، المدينة التي كانت تضم حوالي مليوني نسمة، تحولت إلى “مدينة أشباح وسط أنقاض الحرب” بعد فرار أكثر من مليون شخص منها هرباً من القتال والجوع.
وفى مشهد مأساوي يعكس عمق الكارثة الإنسانية، لجأ آلاف السكان إلى طحن أعلاف الحيوانات المعروفة محلياً بـ”الأمباز” – وهى مخلفات بذور الفول السوداني والسمسم بعد عصر الزيت منها – لاستخدامها بديلاً عن الحبوب الأساسية، يقول أحد السكان: “لا نجد ما نأكله، وهو حال معظم سكان الفاشر. لجأنا إلى شراء الأعلاف الحيوانية لطحنها وطبخها على أنها عصيدة”.
انهيار الأسعار وانعدام السلع الأساسية
شهدت المدينة انهياراً كاملاً في منظومة التوريد والأسعار، حيث بلغ سعر جوال الدخن حوالي 4.5 مليار جنيه سوداني (ما يعادل 1500 دولار أمريكى)، وسعر ربع دقيق الدخن نحو 500 ألف جنيه سوداني، والي شمال دارفور الحافظ بخيت أكد أن “الوضع الإنساني أصبح لا يطاق” وأن المواطنين يأكلون فعلاً أعلاف الحيوانات “وقد نفدت من الأسواق”.
وفقاً لـمنظمة الهجرة الدولية، فإن 1.014.748 شخص جرى تهجيرهم من محلية الفاشر، بما يمثل أكثر من 10% من إجمالي النازحين داخلياً في السودان. كما نزح 99% من سكان معسكر زمزم الواقع على بُعد 12 كيلومتراً جنوب غرب الفاشر، بعدد أفراد بلغ 498.955 شخصاً.
تدهور القطاع الصحي والخدمات الأساسية
كما تعرضت المرافق الصحية في الفاشر لأضرار جسيمة، حيث دُمر سقف وحدة العناية المركزة في المستشفى الجنوبي – وهو المستشفى الوحيد العامل في الولاية – جراء غارة جوية، كما يعاني 38% من الأطفال دون سن الخامسة في مواقع النزوح بالمدينة من سوء التغذية الحاد.
وأفاد ناشطون ومجلس تنسيق غرف الطوارئ في شمال دارفور بوقوع وفيات جراء الجوع، مؤكدين أنهم “يشهدون وفيات بسبب الجوع وسوء التغذية”، فالمطابخ المجانية التي كانت تقدم وجبات لآلاف الأشخاص اضطرت للتوقف عن العمل بعد نفاد مخزونها تماماً.
أكبر مجاعة في التاريخ الحديث
تأتي مأساة الفاشر ضمن إطار أزمة أوسع حيث يواجه 24.6 مليون شخص في السودان مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، الأمم المتحدة أعلنت عن تفشي المجاعة في خمس مناطق بالسودان، مع توقع توسعها لتشمل مناطق أخرى في شمال دارفور بما في ذلك الفاشر.
ورغم الدعوات المتكررة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، تواجه المساعدات الإنسانية عقبات جسيمة في الوصول للمحاصرين، خيث تم الهجوم على قافلة إنسانية مشتركة تابعة لـبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف قرب الكومة، مما أودى بحياة خمسة من أفرادها. كما تشهد عمليات الإغاثة تمويلاً متناقصاً حيث حصل مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية على 14.4% فقط من التمويل المطلوب.
وتمثل مأساة الفاشر جرس إنذار للمجتمع الدولي، حيث تتحول مدينة كاملة إلى معسكر اعتقال مفتوح يواجه سكانه الموت جوعاً. الحاجة ماسة لتدخل دولي عاجل لفك الحصار وإيصال المساعدات .