فسبيل الشريعة بشُعَبها بدءاً من التوحيد وحتى إماطة الأذى عن الطريق؛ هو دَرب الوصول للمأمول من حُب العباد لله، وحُب الله للعباد ، وإذا كان العبد منا لايمكنه تحقيق معنى الإسلام ومايترتب عليه من حلاوة الإيمان إلا بأن (ْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ) – كما في الحديث المتفق عليه – فإن ذلك لا يمكن التدليل عليه إلا باخذ تلك الشريعة بمحبة وقوة وتحمل مسؤولية، فقد ادعى أقوامٌ المحبة دون برهان ، فطالبهم الله بتقديم ذلك البرهان : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( آل عمران/31).
لما أمَرَ موسى عليه السلام وقومه بأن يأخذوا شريعة التوراة بقوة – أي بجد واجتهاد – بين لهم أن ذلك هو ما تحصل به المفاصلة والمفاضلة بين الناس ، كما في قوله سبحانه : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِين)َ (الأعراف /145).. وأبان القرآن مآل من مالوا عن شرائع الهدي إلى مراتع الهوى،فقال لبني إسرائيل : ( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين)َ (البقرة /93) .. وشريعة القرآن – بداهة – أعظم شأنًا..وهجرها أشد جُرمًا..
وحتى المسلم الفرد ؛ مطالب بأخذ ماشرعه الله بذات الجد والاجتهاد، بدءًا بخاصةِ نفسه ، فهذا يُوَرِّثه الحكمة والبِر والتُقى ، ولو كان ناشئًا في سن الصبا ،كما قال الله تعالى ليحيى عليه السلام ..( يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) (مريم)…أما من حملوا أمانة شريعتهم فلم يتحملوا مسؤوليتها..ولم يرعوا أمانتها ..فقد ضرب الله تعالى لهم أسوأ المثل فقال : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة/5)..
أمتنا لم يأمرها الله فحسب بإقامة الدين بقوة وِفق شريعتها ؛ بل عزم عليها بالاجتماع وعدم التفرق في ذلكم الشأن العظيم : (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ..) (الشورى/13) ..
فهل دللنا على حبنا لله بإقامة المستطاع من شريعته .. والاجتماع على ذلك لإعلاء كلمته..؟