الدولة الغير متزنة
من اخنيارات ا. د. نادية حجازي نعمان
إن الدولة المتزنة تنطلق في طريق الحكم الرشيد الذي يكفل تحقيق الرفاة الاقتصادية دون الجور علي حقوق المواطن الأصلية مع مراعاة معايير العدالة الإجتماعية ، وكذلك يكفل إتزان الدولة ألأ تعتدي علي حقوق جيرانها وفق معايير القانون الدولي ، لكن الإتزان ينهض في جوهره علي منظومة قيم أخلاقية صارمة تكبح جماح القوة بمعيار الحق ، وتكبح جماح الأطماع بمعيار العدالة وبذلك تكون الدولة المتزنة هي الدولة التي تنتهج بما يمكننا تسميته بالسياسة الاخلاقية المعاصرة التي لا تندثر بغطاء من الشعارات الجوفاء لتخفي أطماع غير مشروعة .
إن الدول الغير متزنة ـ غالباً ما تستند إلي إيدلوجية عنصرية علي أساس عرقي أو مذهبي ، مما يؤدي لإضطهاد فئات من مواطنيها أنفسهم لا سيما أولئك الذين يعتنقون مذهباً مغايراً أو ينتمون إلي عرق أخر ، ويتبادر إلي الذهن أكراد تركيا الذين يعانون الإضطهاد علي مدار عقدين أو أكثر منذ وصول حزب التنمية والعدالة لسدة الحكم والذي يعتنق إيدلوجية عرقية تحلم بإستعادة الإمبراطورية العثمانية ، ولكن تظل دولة إسرائيل هي المثال الأكثر فجاجة حيث أنها دولة تنهض علي أساس ديني يستبعد المخالف وعلي أساس عنصري يضطهد الأخر ويستبيح أرضه ودمه ، فدولة إسرائيل تقتل مواطنيها العرب ثم تدعي أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط ، تستخدم أحدث الأسلحه الفتاكه في إستعراض قوة ذميم غير عابئة بأنها تعرض أمن الأقليم برمته لمخاطر جمه ، تخترق القانون الدولي غير مكترثة بالعواقب ، تهشم بقدمها الغليظة منظومة القيم الدولية التي تحدد معايير السياسة الدولية ، وذلك تحديداً يُعد هو أهم روافد التطرف والعنف ، فحينما تصير القوة هي المعيار الأوحد يصبح متاحاً للشعوب المقهورة الإنخراط في درب التطرف بذريعة حق المقاومة ، فيصير الأكثر تطرفاً نموذج للبطل المغوار في غياب للعقل والقانون معاً .
إن مخاطر غياب الإتزان لدولة واحدة كفيل بتدمير الأمن الإقليمي لمنطقة مشتعلة مثل الشرق الأوسط ، لأن الإنحراف عن طريق الإتزان الرشيد لدولة كإسرائيل يُصب مباشرة لتنامي قيم التطرف المذهبي والعنصري معاً فها هو القائد الجديد لفيلق القدس بدولة إيران يهدد بقرب زوال إسرائيل ومواطنيها مدللاً بالعدوان الإسرائيلي الذي أنتهك القوانين الدولية والقيم الإنسانية معاُ .
وتجدر هنا الإشارة لذلك التطابق في البنيان الفكري والإيدلوجي لكلا الدولتين ، فكلاهما ينطلقان من أساس عقائدي وعنصري ، وكلاهما يحشدان السلاح الفتاك لمحو الأخر وإبادته ، وكلاهما يشكلان تهديداً أمنياً خطيراً لدول أقليم الشرق الأوسط ، وكلاهما ينتهجان القتل والدمار معياراً وحيداً للنصر …!
لقد برز الإختلاف الجوهري بين سياسات هاتين الدولتين وبين السياسة المصرية الرشيدة التي تنتهج المسار الإنساني وفق المعايير الأخلاقية المنبثقة من الحق والعدل كقيم أخلاقية راقيه لا يمكن التغاضي عنها ولا يسمح لأحد بإختراقها ، لذا أمتاز الموقف المصري بالأعتدال والرسوخ والجهر بالحقائق رغم الإنحياز الدولي الواضح ، فلقد طالبت مصر بأن يتصدي العالم أجمع للعدوان الأسرائيلي الذي أهدر القيمة الأنسانية الأعظم وهي الحق في الحياة ، فسفكت الدماء الطاهرة لتحقيق أغراض سياسية خاصة برئيس الوزراء الإسرائيلي في البقاء والأستمرار ، وأعلنت مصر رفضها القاطع لسياسات دولة إسرائيل العنصرية ، ورغم ذلك لم يجد النظام العالمي بمن فيهم إسرائيل سوي الدبلوماسية المصرية كملاذ يتسم بالقوة والنزاهة معاً ليقدم المبادرة تلو الأخري لإيقاف دائم للعنف ، فطارت الوفود المصرية منذ أيام في جهد متواصل لحقن دماء الأطفال وحفظ حقوق الفلسطينين في الحياة والأمن . وخرج صانع القرار الأمريكي ليشيد بالدور المصري الفاعل معولاً كل الأمال علي المبادرة المصرية لإنهاء ذلك العدوان الجنوني وحقن الدماء.
بقلم : اللواء الدكتور علاء عبد المجيد
عضو مؤسسة الإتزان العالمية
بقيادة الدكتور أحمد سمير مؤسس علم الإتزان على مستوى العالم