الرسالة والرسول
بقلم، د. أمين رمضان
يحتفل المسلمون الآن في مشارق الأرض ومغاربها بميلاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، احتفالات يصب أغلبها في البطون، أو على الأجسام، وغيرها من مظاهر الحياة التي تحركها المادة أكثر من الروح، عام وراء عام، عشرات، بل مئات السنين. ثم تنتهي المظاهر كلها وتعود الحياة كما كانت، لا تغيير، فمتى نحتفل بالرسالة كما نحتفل بالرسول، ومتى ندرك معني أن الرسالة باقية، حتى بعد موت الرسول كما أعلنت الرسالة ذلك بين دفتيها، فالرسالة هي خارطة الطريق إلى الله، والرسول هو القدوة الذي سار في هذا الطريق.
الرسالة التي حددت فلاح الإنسان (كما قال ابن القيم) في معرفته بنفسه ومعرفته بربه.
وليس المقصود بالمعرفة هنا المعلومات ، ولكن المعرفة التي تزلزل كيان الإنسان فينضج ويرتقي ويتقرب من الله ، أي المعرفة الواعية التي تعيد تشكيل المعتقدات ، وترتيب القيم، وتشكيل السلوك وفق المعتقدات والقيم التي شكلت هويته الإنسانية الإيمانية ، واتساع دائرة الوعي ، بالجواهر المكنونة داخل الفطرة الإنسانية، والتي أودعها الله فيه، لتخرج وتنطلق، لتعمر الحياة، مادياً ومعنوياً، فأي واحدة دون الأخرى وبال على الحياة ، تعمرها باكتشاف وتسخير المادة لسعادة الناس ، ومعنوياً بالقيم والأخلاق التي تمنع من تحول الإنجازات المادية لأسلحة دمار للحياة كلها ، فتحصد الأخضر واليابس ، هي رحلة وعي ، تجهز من يسير فيها لاكتشافات وفيوضات وقدرات ، لا يعلمها إلا الله.
هذا ملخص الرسالة، الفلاح الذي يفوز بجنة الدنيا، ونعيم الآخرة.
نحن والعالم نحتاج للاحتفاء بالرسالة، لأنها نموذج إنساني للحياة بصناعة ربانية، الرسول مبلغ للرسالة قولاً وعملاً، الرسالة باقية، وبقاء الرسالة أهم مصدر للإنسانية، ويؤيد ذلك الواقع المعاش.
الرسالة هي التغيير وليس السكون، كل الرسل والأنبياء دعاة تغيير، التغيير يجعل الحياة مزدهرة ومتعددة، ومتنوعة، ومتكاملة، ليس في الوجود المادي فقط، بل في الوجود الفكري أيضاً في عالم الأفكار، والسكون في عالم البشر يجعل الحياة آسنه، أحادية، رتيبة، لا قيمة لأيامها لأنها متشابهة، تأكل عمر الإنسان وهو في غيبوبة عن دورة في إعمار الحياة كلها.
أكبر نعمه على البشرية هي الوحي، هي صلة السماء بالأرض، الذي ربط الفاني بالباقي، والناقص بالكامل، والجاهل بالعليم، وفتح أبواب الوعي على الملموس والمحسوس والغيبي داخل أعماق النفس و الكون، هذا المكنون الذي جعله الله يتكشف للساعين من الناس في محراب الكون، والعلماء الذين تتكشف لهم الآيات الكونية والقوانين الربانية، التي تنقل البشرية نقلة نوعية لحياة مختلفة تماماً بعد الاكتشاف، تتسع آفاقها ، وتقترب مسافاتها ، وستظل كذلك حتى قيام الساعة، في رحلتها لمعرفة أوسع وأعمق وأشمل ، وكلما تراكمت المعرفة البشرية ، كلما زاد اقتراب البشرية من الله ، وكلما زاد الوعي الفردي زاد تقرب الإنسان من الله.
اللهم وفقنا لفهم رسالتك والعمل بها، فهي المنقذ للفرد والأسرة والمؤسسة والأمة والبشرية كلها، لأنها رسالة للإنسان والأرض والكون.
7 أكتوبر 2022
الدكتور أمين رمضان
رئيس وحدة التدريب
بمركز الوعي العربي للدراسات الاستراتيجية