أراء وقراءات

الرصيف اليوم

بقلم الفنان / أمير وهيب 

اي كانت نوع و درجة الموهبة ، في الفن أو الرياضة أو أي مجال ، لابد و أن تعتمد على قوة الملاحظة و الذاكرة.

قوة الملاحظة هي التي توضح الفرق بين الجيد و الرديء و قوة الذاكرة هي سرعة استدعاء ما هو مخزون ومحفوظ من معلومات وصور وتسجيلات في وقتها عند الاحتياج.

وأنا شخصيا اتمتع بذاكرة قوية وما هو مخزون لدي منذ عهد الطفولة هو غزير من صور وتسجيلات وهو في حالة ممتازة.

جدار واقي أمام مدخل عمارة

من ضمن هذه المشاهد ، كان يوجد أمام بعض العمارات في فترة تاريخية من تاريخ مصر الصعب ، جدار ، هذا الجدار كان هدفه حماية المواطنين من ” غارات إسرائيل ” و الهجمات المسلحة ، هجمات بالذخيرة في فترة النكسة في الستينيات و كان أمر البناء من الرئاسة لحماية المواطنين من العدوان.

ولاحظت أن ليس كل العمارات امامها هذا الجدار ، و أبعاده ليست موحدة و لكنها متفاوتة وتتراوح ارتفاعها في حدود المترين يقل أو يزيد و عرضها كذلك و سمكها في حدود نصف متر.

وكان هذا الجدار كئيب مقبض سبب كافي أن يحول الضوء الي ظلام في مدخل العمارة.

و أثناء السير على الرصيف ، كان يوجد جدار كل حوالي ١٠ أمتار ، فكان مزعج أيضا و يعوق الحركة.

كانت تعرف ب ” جدران الحرب ” أو جدار واقي ، جدار مزعج جدا ، مضمونه ” خوف ” و شكله ” قبيح “.

و بحثت كثيرا ، و سألت السيد ” جوجل ” و كل من لديهم ذاكرة قوية لتحديد يوم قرار إزالة هذا الجدار لم اتمكن.

و لكن ما اتذكره جيدا أنه كان في منتصف السبعينيات ، و يوم ما خرجت من المنزل ، لاحظت الفرق الكبير ، و لاحظت إضاءة الشمس العظيمة ، يومها مصر كانت ” منورة ” و الرصيف ” وسع “.

* مصر لازلت تعاني مشكلة فيما يتعلق ب ” رصيف ” الشارع.

* و ان كان لا يمكن مقارنة رصيف اليوم برصيف جدار الحرب ، و لكن على ما يبدو لازلت الحكومة تعيش فرحة إزالة جدار الحرب.

نموذج مثالي لرصيف المشاة

* رصيف الشارع ، يطلق عليه في الدول العظمى sidewalk اي ممشى جانبي ، اي  أنه مكان مخصص للمارة تسير عليه ، أي أنه منذ تصميمه المعماري هو مخصص ” للمشاة ” وليس لعرض بضاعة وبيع و شراء اللهم في أماكن محددة و بتصريح رسمي.

* هذا الرصيف ، في حالة تصميمه بالمضمون و الشكل الصحيح ، تأثيره ساحر مذهل ، يمكن لسكان اي عمارة أن تتجول في الحي و تنعم ببعض من رياضة السير إذا حسن تخطيطه ورسمه وتجهيزه.

* على أرصفة الدول المتقدمة ” دكة ” للجلوس ، هذه الدكة على الرصيف لا توجد في مصر و لا توجد أيضا سلة مهملات و لا توجد أي إشارة للسير و من ناحية أخرى لا يوجد تصميم الكشك و تصميم محطة اتوبيس عام ، و تجد كراتين و ثلاجات موزعين بشكل عشوائي مقرف جدا و في مداخل العمارات باعتبار أن تصميم الرصيف هو أمر خيالي أو ربما لا يتناسب مع عادات و تقاليد المصريين.

* أن استمر اكتب ، في هذا الشأن ولمدة ٣٠ سنة و عن أمور بديهية لها أهمية و بهذا الشكل دون أي استجابة هو أمر مريب.

* لا أجد أي مبرر لكل هذا الانشغال بقضايا و مشاكل دول اخرى و احيانا تكون هناك مقالات مضمونها سخرية من مجتمعات أخرى في حين أن مصر ، صدق او لا تصدق ، ليس لديها رصيف و ليس لديها خطة لإعادة تصميمه و ليس هناك اي نية لإزالة التعديات.

* في حين أن اشغالات الرصيف بهذه البلطجة هو أمر أصبح لا يحتمل ، أن تخرج من باب العمارة ، بدل من جدار الحرب ، هناك سيارات على الرصيف ، و ثلاجات و كراتين ، و خضار و فاكهة ، هي الفوضى القبيحة.

*الرصيف في مصر ليس مجرد قضية عمرانية، بل هو قضية حضارية. من جدران الحرب التي جسدت الخوف، إلى الأرصفة الحالية التي تجسد الفوضى، يظل التحدي قائماً: كيف يمكن تحويل الرصيف إلى مساحة حضارية آمنة، تعكس صورة مصر التي تستحق أن تكون منارة للنظام والجمال؟

أمير وهيب 

فنان تشكيلي وكاتب ومفكر 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى