الصراط المستقيم

الزلازل آيات بخوف الله بها عباده

رؤية شرعية

جمع وتنسيق:هاني حسبو.

ذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك:

(أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة؟ فقالت: إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف، غار الله – عز وجل – في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا أهدمها عليهم، قال: يا أم المؤمنين، أعذابا لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين..)

الجواب الكافي

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند مستقيم عن صفية بنت أبي عبيد [زوج ابن عمر] قالت:

«زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر وابن عمر يصلي فلم يدرِ بها ولم يوافق أحداً يصلي فدرى بها، فخطب عمر الناس، فقال: أحدثتم لقد عجلتم، قالت: ولا أعلمه إلا قال: لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم»،

وقد رواه أيضاً البيهقي في السنن الكبرى: 3/ 342 برقم (6170)، وابن عبد البر في التمهيد: 3/ 318، وغيرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “السنة في أسباب الخير والشر: أن يفعل العبد عند أسباب الخير الظاهرة والأعمال الصالحة ما يجلب الله به الخير، وعند أسباب الشر الظاهرة من العبادات ما يدفع الله به عنه الشر..

 

 

 

كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – عند الخسوف بالصلاة والصدقة والدعاء والاستغفار والعتق”؛ ا.هـ.

 

 

 

ولما كانت الزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده شأنها في ذلك شأن الكسوف والخسوف استحب عندها من الوعظ والصلاة والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر،.

ومن أهم هذه الوجوه:

التوبة والندم:

 

ويستحب عند الزلازل المسارعة إلى التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي والإقلاع عنها.

 

 

قال الإمام النووي: “قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:

 

أحدها: أن يقلع عن المعصية.

 

 

 

والثاني: أن يندم على فعلها.

 

 

 

والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدًا.

 

 

 

فإن فُقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.

 

 

 

وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالًا أو نحوه رده، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها”

 

 

 

قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].

 

 

 

ولا شك أن الله تعالى أراد من وراء هذه الآيات التي يخوف بها عباده أن يرجعوا إليه ويتضرعوا وينيبوا ويندموا ويقلعوا عن الذنوب.

 

 

 

كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: “إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه”؛ أي: يطلبكم للرجوع عن الإساءة واسترضائه.

 

 

 

فالمفلح: من استجاب وتاب وندم ورجع وأناب.

 

 

 

والخاسر: من أعرض وارتاب فحق عليه الغضب والعذاب.

 

 

 

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ﴾ [طه: 81].

 

 

 

وكذلك  الذكر والدعاء والاستغفار من أعظم الأمور التي يتقرب بها إلى الله في مثل هذه الحالات

 

قال القسطلاني: “ويستحب لكل أحد أن يتضرع بالدعاء عند الزلازل ونحوها كالصواعق والريح الشديدة والخسف”؛ ا. هـ.

 

 

 

ومما يؤكد ذلك: ما أمر به النبي – صلى الله عليه وسلم – عند الكسوف والخسوف:

 

• ففي حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لما كسفت الشمس: “هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بها عباده فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره”

 

 

 

وقوله – صلى الله عليه وسلم – “هذه الآيات” يدل على دخول الزلازل وغيرها من الآيات مع الكسوف والخسوف في الأمر بالفزع إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره.

 

 

 

قال الحافظ ابن حجر: واستدل بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلى الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك.. وقال أيضًا: “وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع به البلاء”

 

 

 

• وفي رواية: “فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا.

 

 

 

• وفي رواية: “فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله”

 

 

 

قال ابن مالك: “إنما أمر بالدعاء لأن النفوس عند مشاهدة ما هو خارق تكون معرضة عن الدنيا ومتوجهة إلى الحضرة العليا فيكون أقرب إلى الإجابة” ا. هـ.

 

 

 

قال السيوطي: “مما يستحب عند الزلزلة.. الدعاء والتضرع كما نص عليه في شرح المهذب وتقدم عن عمر بن عبدالعزيز.

 

 

 

ومما يتأكد من الأذكار: التسبيح فإنه يدفع العذاب كما أشرنا إليه في كتاب الطاعون، والتكبير قياسًا على استحبابه عند رؤية الحريق، وقد ورد به الأمر هناك وورد به الأمر أيضًا في الكسوف. والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – فإنها تدفع كل بلية، وتزيل كل سوء، ولها مدخل في جميع الأصول الدنيوية والأخروية”؛ ا.هـ.

 

 

 

• وكذلك ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقوله من الأدعيةإذا هاجت الريح وعصفت – وهي آية من الآيات – يدل على أنه من باب أولى الزلازل أيضًا.

 

 

 

• ولما كانت الزلازل موطنًا من مواطن الكرب والشدة والهم والفزع استحب للمسلم أن يدعو في هذه المواطن بما ورد في ذلك من أدعية ثابتة عن النبي – صلى الله عليه وسلم ومنها:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقول عند الكرب: “لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم”

 

 

 

وعن أنس رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان إذا أكربه أمر قال: “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث”

ويشرع القنوت عند الزلازل:

قال ابن القيم: “وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – القنوت في النوازل خاصة وتركه عند عدمها” ا.هـ.

ومعنى النازلة كما يقول ابن علان: “نازلة عامة أو خاصة في معنى العامة لعود ضررها على المسلمين على الأوجه كوباء وطاعون وقحط وجراد وكذا مطر يضر بالعمران أو زرع وخوف عدو وكأسر عالم أو شجاع..” ا.هـ.

والسنة في قنوت النوازل: أن يقتصر الداعي فيه على ما يناسب النازلة فقط. كذلك ما يفعله بعض الأئمة من التزام الإطالة في الدعاء إطالة يربو زمنها على الزمن الذي قضيت فيه الصلاة جميعها أو حتى على زمن القيام فيها أو التشهد فهو مخالف لسنته – صلى الله عليه وسلم –

 

 

 

الصدقة وبذل المال من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله في المصائب

 

ومما يستحب عند الزلزلة التصدق وبذل المال فعن جعفر بن برقان قال: كتب إلينا عمر بن عبدالعزيز في زلزلة كانت بالشام: أن أخرجوا يوم الاثنين من شهر كذا وكذا، ومن استطاع منكم أن يخرج صدقة فليفعل، فإن الله تعالى قال: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14، 15].

 

 

 

 

وفي رواية من وجه آخر عن جعفر بن برقان قال: كتب إلينا عمر بن عبدالعزيز: إن هذا الرجف شيء يعاقب الله به العباد، وقد كتبت إلى أهل الأمصار: أن يُخرجوا يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا في ساعة كذا وكذا فأخرجوا، ومن أراد منكم أن يتصدق فليفعل فإن الله قال: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14، 15]. وقولوا كما قال أبوكم عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].

 

 

 

وقولوا كما قال نوح عليه السلام: ﴿ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47].

 

 

 

وقولوا كما قال موسى عليه السلام: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ﴾ [القصص)

 

 

 

وقولوا كما قال ذو النون: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]

ويشرع تذكير الناس ووعظهم في مثل هذه الحالات

 

وقد دل على ذلك صنيع النبي – صلى الله عليه وسلم – لما وقعت حادثة كسوف الشمس وهي آية من آيات الله.

 

 

 

ففي رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:”…فـ[خطب الناس، فحمدالله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:[إن الشمس والقمر] هما آيتان من آيات الله [يريهما عباده]، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة. وفي راوية: فادعوا الله وكبروا وصلوا [حتى يفرج عنكم] وتصدقوا، لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدته، حتى لقد رأيت أن آخذ قطفًا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها عمرو بن لحي [يجر قصبه][*]، وهو الذي (وفي رواية: وهو أول من) سيب السوائب] ثم قال: يا أمة محمد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمة محمد! والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا)، [ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر]”

 

 

 

وفي الأثر: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما زلزلت الأرض على عهده خطب الناس فقال: “أحدثتم، لقد عجلتم، لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم”

 

 

 

وفي هذا الدليل واضح على مدى حرص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أمته وتوجيه النصح الوعظ والإرشاد إليهم عند الحوادث والآيات.

 

 

 

 

وكذلك أصحابه الكرام الذين ساروا على دربه ونهجه في التبليغ والإنذار عند التغيير والتبديل.

 

 

 

بل استحب السيوطي للإمام الأعظم أن يخطب عند الزلزلة فقال: “ولو قيل باستحبابها (أي الخطبة) للإمام الأعظم خاصة لم يبعد”

وأخيرا قال ابنم -رحمه الله- ما نصه: “وقد يأذن الله  للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله ، والندم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.