السجن المفتوح

قصة قصيرة / بقلم ممدوح الشنهوري
قاتل هو ذلك الصمت حينما يمتزج بالحزن بعد الفراق …
ظل لأعوام طويلة ذلك الفتي مضربا عن الزواج لأسباب خارجة عن إرادتة، منها العائلي، ومنها الشخصي وهو البحث عن ذاته .
امضي اغلب حياته في الترحال، ما بين مدينة الي آخري باحثا عن تلك الحياة الكريمة التي يتحدثون عنها !! ، ولكن حظه العاثر في الحياة، لم يجلب له تلك الحياة التي كان يتمناها او آرادها،لنفسه يوما ما، ولكن رغم خٌذلان الدنيا له في بعض من أحلامه، انعم عليه بالكثير من النعم ايضا ومنها حصوله علي دراسة جامعية مرموقة من احد كليات القمة، ولكن بكل اسف لم يعمل بها ايضا، لإنتشار البيروقراطية في كل مكان في بلده .
وفي النهاية لم يجد سبيل آخر امامه سوي إكمال ما بدأه من جديد في حياته، وهو التنقل من بلد الي آخر، من أجل كسب القليل من المال، بالكاد كانت تكفيه لحياته العائلية والشخصية معا في ظل، تلك الأوضاع الإجتماعية المزرية التي يمر بها هو وامثاله من الشباب .
ومضي به العمر فجأة وبدون مقدمات دون ان يشعر به، والأهل يلحون عليه في إكمال نصف دينه بالزواج، ولكن عتمة الحياه وثقلها علي صدره، جعلته يأبي طلبهم مرارا وتكرار، ولكن عندما يأتي النصيب الي صاحبه، تنجلي كل العقبات بين عشية وضحاها لصاحبها.
و فجاه عرضوا عليه الأهل خطبته علي فتاه في بلدته الريفية، ولكنه لم يعرفها من قبل ليتقدم لخطبتها ، ولم يراها، رغم إشادتهم بأخلاقها وأدبها وكذلك ثقافتها وتعليمها الجامعي العالي ، ولكنه آبي ايضا ، و مرت شهور وشهور وعند عودته من السفر مره اخري لظروف ما خاصة به، اجبرته علي المكثوت بعضا من الوقت في بلدته، عرضوا عليه خطبة تلك الفتاة من جديد، ومع إصرارهم إنصاع في النهاية لطلبهم هذا ليريحهم ، ويقرر ان يراها لمجرد، إرضاءهم فقط، ويتحجج بعدها بأي عذرا، ويعود الي أدراجه حيث أتي.
وذهب في ذلك المساء، لرؤية تلك الفتاه مع الاهل ، وكان ذلك في إحدي ليالي الشتاء القارصة، ولكن بما انه يعشق الشتاء بكل ما فيه، تفائل خيرا من داخله عند الذهاب ، وإستقبلوه أهلها بالترحاب وواجب الضيافة، وبعد قليل هلت تلك الفتاه التي حدثوه عنها لخطبتها ( گ البدر عند إكتماله ) تحمل بعضا من العصائر بين يديها .
وعندما رأها شعر فجأة بأن قلبه ينخلع من صدره من شدة إعجابه بجمالها الهادئ والرقيق ، والذي لطالما ما كان يحلم به لفتاه احلامه المستقبلية ، لدرجة انه فقد السيطره علي نفسه من شدة فرحه بجمالها ، وبدأ يثرثر بكل ما يحمله لها من إعجاب، عن وجمالها وكذلك عن ثقافتها بعد رؤيته لبعض من لوحاتها الفنية المعلقة علي الحائط في منزلهم لعشقه لكافة انواع الفنون الراقية مثل الموسيقي الكلاسيكية واللوحات الزيتية وما الي ذلك من الفنون الأخري ، وإستغرب جميع الأهل من ذلك الإعجاب السريع من ذلك الفتي الي الفتاه بسرعة عجيبة ، فهو لم يتناول قهوته بعد …!!
ولكن ما خفي عنهم، عن ذلك الإعجاب السريع لتلك الفتاه ، هو خطفة الحب والقلب لها من قِبله ، لإنها كسرت حاجز الخوف عنده من عقدة الإقتراب من أي أنثي قد تصادفه ، وذلك لإنه ظن في يوم ما من الأيام، ان الحب لم يٌخٌلق له، وهاكذا كانت وجهة نظره في الحياة، بسبب مآسيها الشديدة معه، ولإنهم لا يعلمون أن للحب سهما متي إنطلق من القلب الي القلب، اصاب، وهاكذا فعل الحب به لتلك الفتاه عند رؤيتها.
وما ان مرت ايام قليلة، الإ وكانت تمت خِطبتهم علي بعض من قِبل أهليهم ، ومن شدة إعجابه وحبه لها، عَجل بكتب الكتاب، وأجل فرحه لعام اخر ، حتي يجهز عش الزوجية، وتبدلت حياة ذلك الفتي من لا شيئ فجاة من السعادة، الي براح وسعادة وجمال في الكون بأكمله مع تلك الفتاه .
وتوالت الأيام والشهور سريعا وتزوج ذلك الفتي، بفتاه احلامه التي قادها له القدر صدفه وبدون ميعاد ، وعاشا سويا اجمل ايام عمرهم معا في هناء وسعادة ، وذلك لان حبها له ايضا، كان من اجمل اسرار سعادته الداخلية له، وكان من أجمل ما يراه فيها، هي روحها الطفولية المرحة، رغم بلغوها كأنثي وشابة.
ولكن عندما تحدث شاعر الحب ( نزار قباني ) عن شبيهاتها من النساء ، كتب لهم قصيدة رقيقة عن الحب وكذلك الغزل غناها المطرب العراقي ( كاظم الساهر ) وهي قصيدة ( يدك ) التي يقول فيها :
يدك التي حطت على كتفـي
كحمامـة نزلت لكي تشرب
عندي تسـاوي ألف أمنيـة
يا ليتها تبقى ولا تذهـب
الشمس نائـمة على كتفـي
قبلتهـا ألفـا ( ألفـا ) و لم أتعـب
تلك الجميلة كيف أرفضهـا
من يرفض السٌكنى على كوكـب
قولوا لها تمضـي برحلتها
فلها جميع، جميع ما ترغـب
تلك الجميلـة كيف أقنعهـا
إني بها معجب …
يدك الصغيرة طفلة هربـت
ماذا أقول لطفلـة تلعـب
أنـا سـاهر و معي يد إمرأة
بيضـاء هل أشهى و هل أطيب
تلك الجميلـة كيف أقنعهـا
معجب بهـا معجـب .
وهي كانت كذلك بالفعل في نظره، مجرد طفلة صغيرة تحمل لقب انثي لا أكثر ولهذا احبها من اول نطرة .
ولكن بما ان للحسد دورا لعينا و كذلك العين ( والسحر ) في تلك المجتمعات الريفية في هدم السعادة ، وبسبب ذلك كله تأثرت القصة الجميلة بين ذلك الحبيبين .
تسللت المشاكل بينهما بعد زواجهما بفترة قصيرة ، وإفترقا، بعد إنجابهم لطفلة رقيقة تحمل الكثير من ملامح امها الجمثلة ، ومن يومها وذلك الفتي يعيش بين عزله وصمت بينه وبين نفسه، في عالم واسع ومنطلق من حوله في كل شيئ ، ولكن هذا العالم صار بالنسبه له هو مجرد ذلك ( السجن المفتوح ) .
ولكن رغم ذلك الفراق المفاجئ لهم، ما زال هناك سؤال حائر في أذهان كل من سمع عن قصة ذلك الحبيبين.وذلك السؤال هو، هل سيكون الحب اقوي بينهم من مٌعضلات الحياة الا إرادية معهم التي تعرضوا لها ويجمعهما الحب والدفئ من جديد مع إبنتهم، أم إنها ستكون النهاية لذلك الحب العظيم ؟؟.
ممدوح الشنهوري
كاتب صحفي و عضو المنظمة المصرية والدولية لحقوق الإنسان