السودان : توغل قوات الدعم السريع في معسكر أبوشوك للنازحين بمدينة الفاشر

انفجار وبائي محتمل وخسائر ضخمة تضرب البنية التحتية الطبية فى السودان
كتبت : د.هيام الإبس
شهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، اليوم الثلاثاء، معارك ضارية بين الجيش السوداني وحلفائه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، في جنوبها الغربي وشمالها الشرقي، وسط تبادل مدفعي عنيف بين الطرفين.
وأفادت مصادر محلية وشهود عيان بتوغل قوات الدعم السريع داخل معسكر أبوشوك للنازحين، الواقع شمال مدينة الفاشر، مما أثار حالة من الذعر بين السكان ودفع نحو 90% من النازحين إلى الفرار هرباً من الهجمات والقصف.
يأتي هذا التوغل في سياق الحصار المستمر على الفاشر منذ يونيو 2024، وسط مخاوف أممية من كارثة إنسانية.
التطورات الأخيرة
ووفقا لشهود بدأ التوغل يوم الإثنين من خلال السيطرة على أجزاء من المعسكر، بالإضافة إلى سكن الجيش المعروف بـ”قشلاق” والسوق الكبير، قبل التقدم باتجاه قيادة الفرقة السادسة التابعة للجيش السوداني.
وأقامت القوات ارتكازات ثابتة داخل المعسكر، مما أدى إلى مواجهات عنيفة مع قوات الجيش وحلفائه من حركات الكفاح المسلح.
ولم يتم الإعلان عن أرقام دقيقة للضحايا في هذا التوغل الأخير، لكن تقارير سابقة من أغسطس 2025 تشير إلى مقتل عشرات المدنيين في هجمات مماثلة، بما في ذلك 40 قتيلاً في 11 أغسطس و14 آخرين في 21 أغسطس بسبب قصف مدفعي، كما دمرت مرافق حيوية مثل مصادر المياه بنسبة 98%، ونهبت المنازل.
النزوح الجماعي
فى الأثناء، فر أغلب السكان (حوالي 90%) خلال يومي الأحد والإثنين، ويحتمي الباقون شمال سوق نيفاشا، لكنهم يتعرضون لهجمات مكثفة بمدفعية الدعم السريع وطائرات مسيرة.
ويضم المعسكر أكثر من 47 ألف نازح من مناطق متضررة مثل جبل مرة وطويلة، وهو جزء من النسيج العمراني للفاشر.
ويعاني المعسكر من مجاعة وانهيار بنية تحتية، حيث أعلنت المجاعة في أبوشوك وزمزم والسلام في ديسمبر 2024، النزوح الجديد يفاقم الأزمة، مع فرار 400 ألف شخص سابقاً من معسكر زمزم.
منظمات مثل أطباء بلا حدود وصفوا الوضع بـ”الكارثي”، مطالبين بوقف إطلاق النار ورفع الحصار.
معركة الفاشر
يأتي التوغل بعد هجمات سابقة على المعسكر في أغسطس، حيث صعدت الدعم السريع من هجماتها للسيطرة على الفاشر، آخر معقل رئيسى للجيش السوداني في دارفور.
وفي 12 سبتمبر، قتل 10 مدنيين في أحياء شمال شرقي المدينة، وهجر السكان نحو وسط الفاشر. يعتقد أن الهدف هو تطويق المدينة بالكامل، مع فرض حصار خانق بجدران ترابية طولها 31 كم.
كما أثارت تقارير عن دعم خارجي مثل الإمارات، للدعم السريع جدلاً حول “حرب بالوكالة”.
ويخشى أن يؤدي التوغل إلى انهيار البنية الاجتماعية في الفاشر، مع زيادة خطر المجاعة والأمراض. رغم الدعوات الدولية لوقف النار، تستمر المعارك، مما يجعل الوضع في دارفور أكثر هشاشة.
سيتم متابعة التطورات، حيث قد تكشف التحقيقات الأممية المزيد من التفاصيل حول الانتهاكات.
انفجار وبائي
من جهة أخرى ، كشف وزير الصحة السوداني، الدكتور هيثم إبراهيم، عن تفش غير مسبوق لبعوض الأيديس الناقل لحمى الضنك والملاريا، محذراً من أن البلاد تواجه تهديداً صحياً خطيراً، في ظل ظروف بيئية وصحية معقدة.
وفي مقابلة على برنامج إعمار عبر قناة السودان، أوضح إبراهيم أن كثافة البعوض بلغت 30%، في وقت تعد فيه 5% فقط كافية لحدوث انفجار وبائي، مشيراً إلى أن هذا المستوى من الانتشار لم يسجل من قبل في البلاد.
وأضاف وزير الصحة السوداني أن الرش بالمبيدات لا يجدي نفعاً كبيراً، لأن البعوض ينشط خلال النهار داخل البيوت المغلقة، كما أن يرقاته تتكاثر في بيئات غير تقليدية مثل السيارات المكسرة والأنقاض، موضحاً أن الرش الجوي بالطائرات له أثر محدود للغاية.
وأشار إبراهيم إلى أن حمى الضنك لا تتسبب في نسب وفيات عالية، لكنها تخلف حالات مرضية مرتفعة تؤثر على الأسر بكاملها، مؤكداً وجود أربعة أنواع من حمى الضنك تنتشر حالياً في السودان.
ودعا وزير الصحة السوداني إلى تكثيف الحملات المجتمعية، وإزالة الأنقاض، والتفتيش المنزلي لليرقات كوسائل فعالة للحد من انتشار المرض.
القطاع الصحي.. أضرار ضخمة وموارد منهوبة
وفي سياق آخر، تحدث وزير الصحة السوداني عن الخسائر الفادحة التي تكبدها القطاع الصحي جراء الحرب، مشيراً إلى أن التقييم الرسمي بلغ 11 مليار دولار، تشمل أضرارا في البنية التحتية والمعدات الطبية.
وأوضح إبراهيم أن500 مؤسسة صحية تعرضت لاعتداءات مباشرة، و120 من الكوادر الصحية فقدوا حياتهم أثناء أداء الواجب، والمباني تضررت جزئياً في الغالب، في حين تكبدت الأجهزة والمعدات الطبية النصيب الأكبر من الخسائر.
وأشار وزير الصحة السوداني إلى أن تكلفة عودة المواطنين إلى ولاية الخرطوم تضاعفت، من 400 مليون دولار إلى 1.2 مليار دولار، بسبب طول فترة وجود قوات الدعم السريع في المدينة، مما أدى إلى دمار كبير في المؤسسات الصحية.
أما في إقليم دارفور، فأكد المسؤول السوداني أن الدمار واسع النطاق، لكنه أقر بعدم توفر إحصاءات دقيقة حتى الآن.
نقص الدواء وإعادة تأهيل المصانع
تحدث وزير الصحة السوداني عن أزمة النهب الكبير للأدوية والإمدادات الطبية، مشيراً إلى أن قيمة المفقودات تتراوح بين 300 و500 مليون دولار.
وعن واقع التصنيع الدوائي، أوضح إبراهيم، أن 3 فقط من أصل 26 مصنع دواء تعمل حالياً في الخرطوم، متوقعاً أن تعود 7 مصانع أخرى للخدمة بنهاية 2025.
ورغم التحديات، ارتفعت نسبة الوفرة الدوائية إلى 75%، مقارنة بـ42% فقط في عام 2023، رغم وجود مديونية تقارب 70 مليون دولار على القطاع الصحي.
مشاريع إنمائية وخطة لامركزية للصمود
في خضم هذه التحديات، تحدث وزير الصحة السوداني عن اهتمام منظمة الصحة العالمية بتوثيق تجربة السودان في صمود النظام الصحي خلال الحرب، حيث قال إن اللامركزية التي فرضتها الظروف ساهمت في استمرار تقديم الخدمات الصحية.
وتابع إبراهيم أن الوزارة تعمل على تدريب واستبقاء 1000 أخصائي في الولايات، بالإضافة إلى مشاريع تصنيع أدوية ومستلزمات طبية محلياً تشمل مصنع شاش وقطن في النيل الأزرق، وإنتاج أمصال العقارب في الشمالية، وتصنيع محاليل وريدية في النيل الأبيض.
وأوضح وزير الصحة السوداني أن هذه المبادرات تهدف إلى تقليل الاعتماد على الاستيراد وتحسين الأمن الدوائي في السودان.