السودان يعود إلى الاتحاد الإفريقي وسط أزمة صحية وأمنية خانقة

كتبت: د. هيام الإبس
في لحظة اعتُبرت رمزية ومؤثرة، عاد السودان رسميًا إلى مقره الطبيعي داخل الاتحاد الإفريقي بعد أعوام من تجميد عضويته، ليواكب ذلك مشهدًا داخليًا مأزومًا يعاني من أزمات متعددة، أبرزها تفشي وباء الكوليرا وانتشار مخلفات الحرب في مناطق مأهولة بالسكان.
عودة السودان إلى البيت الإفريقي
شارك السفير الزين إبراهيم حسين، رئيس البعثة الدبلوماسية السودانية في أديس أبابا، ونائبه الحافظ عيسى عبدالله، والمستشار عمر الشيخ، في احتفالية يوم أفريقيا بمقر مفوضية الاتحاد الإفريقي، لتكون أول مشاركة رسمية منذ تجميد عضوية السودان عام 2021.
كما شارك الوفد السوداني في الاجتماع رفيع المستوى إحياءً لذكرى تأسيس الاتحاد، بحضور قادة وممثلي دول ومنظمات دولية، أبرزهم الرئيس الأنجولي لورنسو، والرئيس الغاني د. دراماني، وممثلو إثيوبيا والأمم المتحدة.
وعلى هامش الفعالية، قدّم تلاميذ المدرسة السودانية بأديس أبابا عروضًا تراثية نالت إعجاب الحاضرين، في حضور لافت لأعضاء البعثة والجالية السودانية بالمعرض التراثي والمطبخ الإفريقي.
50 ألف جسم متفجر… وإزالة الألغام تحتاج 90 مليون دولار
أعلن اللواء خالد حمدان، مدير المركز القومي لمكافحة الألغام، أن السودان دمّر نحو 49 ألف جسم متفجر من مخلفات الحرب، منها 37 ألف ذخيرة كبيرة و12 ألف قذيفة صغيرة، في حين تم تسجيل 50 حادث انفجار خلفت 14 قتيلاً و36 جريحًا.
وأكد حمدان أن ولاية الخرطوم تُعد من أكثر المناطق تلوثًا بهذه المخلفات، مع استمرار عمليات الإزالة بواسطة فرق تابعة لسلاح المهندسين، خاصة حول مصفاة الجيلي وجنوب أم درمان.
وأشار إلى أن مناطق تحت سيطرة قوات الدعم السريع ما تزال inaccessible، مما يُصعّب عمليات التبليغ والإنقاذ.
دعم دولي محدود ومهمة معقدة
قدّر حمدان تكلفة إزالة الألغام بـ 90 مليون دولار، مشيرًا إلى أن توقف المساعدات الأمريكية منذ عهد ترامب أثر على البرنامج، وأن مكتب الأمم المتحدة في بورتسودان نجا من الإغلاق بفضل دعم كندي.
وأضاف أن الحرب زادت تعقيد المهمة، إذ اندلعت في مناطق مأهولة، ما يستدعي حملات توعية مكثفة وتبليغ عاجل عن أي مخلفات مرصودة.
الكوليرا تضرب الخرطوم ومراكز العزل تنهار
تعيش العاصمة السودانية الخرطوم على وقع تفشٍ متسارع لوباء الكوليرا وسط انهيار شبه تام للقطاع الصحي، حيث سجلت وزارة الصحة أكثر من 2,300 إصابة و51 حالة وفاة خلال 3 أسابيع فقط، غالبيتها في كرري وجبل أولياء.
وأكد سليمان عمار، منسق الشؤون الطبية بـ”أطباء بلا حدود”، أن غياب الرعاية الأساسية وشُحّ الموارد جعل من الصعب احتواء الوباء، مطالبًا بتدخل عاجل لدعم مشاريع المياه والصرف الصحي والكهرباء في المناطق المنكوبة.
مشاهد مأساوية في الحارات
رصدت لجان مقاومة الثورة بالحارة الثامنة مشاهد مأساوية لمرضى الكوليرا الذين أُجبروا على افتراش الطرقات بسبب اكتظاظ مركز العزل الحكومي، في ظل نقص حاد في المحاليل الوريدية والخدمات الطبية.
وأكد تقرير حكومي معالجة 167 حالة خلال 24 ساعة، بينها 76 مصابًا في عيادات ميدانية، وتوزيع “حبوب الكلور” في أكثر من 1450 منزلًا.
السودان في قلب وباء قاري
أشارت مراكز السيطرة على الأمراض الإفريقية (Africa CDC) إلى أن السودان وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية وأنغولا تمثل 84% من إجمالي إصابات الكوليرا في القارة لعام 2025، وسط ضعف حاد في البنى الصحية ومياه الشرب.
وحذر ياب بوم، نائب مدير الطوارئ الصحية، من خطورة الوضع، مؤكدًا أن استمرار النزاعات يُهدد بتفشي أوبئة أخرى.
وتعتزم “أفريقيا CDC” تطبيق نموذج “إمبوكس” الذي أثبت فعاليته في أزمات سابقة، بمشاركة منظمة الصحة العالمية واليونيسف والصليب الأحمر.
حرب أبريل 2023… جذر المأساة الإنسانية
اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، نتيجة خلافات على دمج القوات خلال المرحلة الانتقالية، وأفضت إلى كارثة إنسانية شاملة شملت:
-
نزوح جماعي داخلي وخارجي
-
تدمير واسع للبنية التحتية
-
شلل في القطاع الصحي والكهرباء
-
تفشي الكوليرا، والملاريا، وحمى الضنك
وحذرت الأمم المتحدة في تقريرها الأخير من أن الخدمات العامة لم تعد قادرة على الاستجابة للتحديات المركبة، خاصة مع انقطاع الكهرباء والمياه لفترات طويلة.