السودان يواجه جوبا بأدلة تورط مسؤولين بدعم قوات الدعم السريع

كتبت – د.هيام الإبس
تُفيد مصادر دبلوماسية بوقوع لقاء سري في الخرطوم بين الحكومة السودانية ومبعوث رئاسي من جنوب السودان ، على خلفية قرار سوداني بوقف ضخ نفط جوبا عبر الأنابيب السودانية وتداعياته الأمنية والإقليمية المحتملة.
وبحسب هذه الرواية، حمل اللقاء رسائل شديدة اللهجة بشأن ما تصفه الخرطوم بـ“دور سلبي” لدوائر في جوبا أسهم في تمكين نفوذ خارجي داخل الإقليم عبر دعم مليشيات وتمويل أنشطة تهدد الاستقرار، مع تعهد جنوبي بنقل التفاصيل للرئيس سلفاكير.
خلفية متوترة
تشهد العلاقات بين الخرطوم وجوبا تذبذباً مستمراً منذ الانفصال عام 2011، مع بقاء ملفات النفط والحدود وأبيي عناوين دائمة للتجاذب السياسي والأمني.
وتشير معطيات الفترة الأخيرة إلى تصاعدٍ في الاتهامات المتبادلة والتوترات الاجتماعية والأمنية، ما أعاد قنوات التواصل الرسمية والدبلوماسية إلى الواجهة سعياً لاحتواء الانكشاف الإقليمي.
قنوات اتصال فاعلة
وتظهر بيانات واتصالات رسمية أن قنوات الاتصال بين العاصمتين ظلت مفتوحة رغم الاحتقان، بما في ذلك لقاءات بين مسؤولين من جنوب السودان والسفارة السودانية في جوبا لبحث ترتيبات التهدئة.
وتبرز وظيفة “المبعوث الرئاسي” ضمن أدوات جوبا لإدارة الملفات الخاصة والمعقدة، وهو منصب شهد تبدلات وإعفاءات في فترات سابقة ما يعكس حساسية المهام الموكلة إليه.
تفاصيل اللقاء
وتؤكد المصادر أن الوفد السوداني قدّم للمبعوث الجنوبي ما وصفته بأدلة ووثائق حول تورط شخصيات نافذة في أنشطة تشكل تهديداً مباشراً لأمن السودان وجنوب السودان عبر تغذية الصراعات وتمويل تدفق السلاح.
وتضيف أن العرض السوداني شدد على أن استمرار هذه الأنشطة من شأنه أن يفتح الباب أمام فوضى عابرة للحدود، وأن يؤثر سلباً على ترتيبات أمنية دولية وإقليمية قائمة بالفعل.
موقف الخرطوم.. النفط أولاً.. لكن بشروط
ويُعد خط الأنابيب السوداني شرياناً اقتصادياً حيوياً لجنوب السودان الذي يعتمد على التصدير عبر مرافئ السودان للوصول إلى الأسواق العالمية، ما يمنح الخرطوم ورقة ضغط حساسة.
وبحسب ما نُقل للمبعوث، فإن الخرطوم مستعدة لإعادة تقييم قرار توقف الضخ ضمن تفاهمات أوسع تعالج مصادر تمويل العنف، مع ترتيبات ميدانية لنزع السلاح في الشريط الحدودي ومنع الاختراقات.
صدمة وتعهد بالنقل
وتؤكد المصادر أن المبعوث الجنوبي أبدى صدمة من حجم البيانات المقدمة وتعهد بنقلها على وجه السرعة إلى الرئيس سلفاكير مع توصيف المخاطر على البنية القبلية والسياسية الهشة في جنوب السودان.
وتشير المعطيات إلى أن دوائر القرار في جوبا تتعامل بحذر مع أي معلومات قد تعقّد توازنات الداخل وتلامس مسار تنفيذ اتفاقات السلام والتهدئة الأمنية.
أمن الحدود ونزع السلاح
ويدفع الجانب السوداني باتجاه إجراءات عملية تشمل نزع السلاح من المكونات المحلية على خطوط التماس، مستنداً إلى سوابق تسرّب السلاح وتوظيف النزاعات القبلية في صراعات أوسع.
ويؤكد هذا الطرح أن ضبط الحدود هو شرط واقٍ لعدم انتقال التوترات إلى العمقين السوداني والجنوبي، وأنه ينبغي ربطه بتفاهمات اقتصادية وسياسية لضمان الاستدامة.
الحسابات في جوبا
تواجه قيادة جنوب السودان معادلة معقدة بين الحاجة إلى تدفق عائدات النفط عبر السودان والحفاظ على توازنات داخلية دقيقة في ظل أوضاع أمنية متوترة محلياً.
وقد شهدت الساحة الجنوبية تبدلات في مواقع حساسة ومناصب رفيعة خلال الشهور الماضية، في مؤشر على إعادة تموضع مؤسسي يتسق مع التحديات الأمنية والسياسية.
ورقة النفط كأداة ضغط متبادل
ويمتلك السودان نفوذاً عملياً على صادرات النفط الجنوبية عبر البنية التحتية، فيما تراهن جوبا على التهدئة والتطمينات المتبادلة للحفاظ على شريان الإيرادات العامة.
وفي المقابل، تعي الخرطوم أن الانقطاع الطويل قد يترك كلفة اقتصادية وسياسية على الطرفين، ما يجعل استئناف الضخ مشروطاً بضمانات أمنية ملموسة.
مسارات محتملة بعد اللقاء
مسار تهدئة مشروطة: التوافق على آلية مشتركة لمراقبة الحدود ونزع السلاح المحلي، مع استئناف تدريجي للضخ تحت رقابة فنية وأمنية.
مسار اختبار المتابعات: انتظار استجابة جوبا لما طُرح من أدلة وخطوات عملية قبل أي تعديل للقرار النفطي، مع إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة.
مسار التصعيد: تعثر الاستجابة يدفع إلى تمديد التعليق النفطي وتوسيع القيود الحدودية والأمنية، بما يفاقم الكلفة على جوبا ويزيد الاحتقان.
تداعيات إقليمية أوسع
للملف امتدادات مباشرة على أمن شرق ووسط إفريقيا، إذ إن زعزعة الاستقرار في السودان أو جنوب السودان تنعكس سريعاً على سلاسل الإمداد والأسواق وحركة النزوح.
كما أن أي توتر نفطي قد يخلق تقلبات مالية داخل جنوب السودان ويضغط على ترتيبات إنفاذ السلام الهشة ويغري فاعلين مسلحين بملء الفراغ.
المطلوب لتسوية مستدامة
وتستلزم التسوية حزمة مترابطة: تفاهمات أمنية على الحدود، وآلية تحقق مشتركة من مصادر التمويل غير المشروعة، وخارطة طريق نفطية بضمانات زمنية وفنية واضحة.
ويرجح أن تتطلب هذه الحزمة رعاية إقليمية خفيفة تضمن المتابعة وتسهّل بناء الثقة دون تدويل مفرط يعقّد الحسابات الداخلية.



