وضوح التعليمي

السويد تلغي الشاشات الذكية في التعليم وتعود إلى الورقة والقلم والكتاب

خبراء التربية : الكتابة باليد عملية عقلية تعزز من نشاط الدماغ، وتنشط الذاكرة وتساعد على الفهم العميق وتحليل المعلومات

كتبت / عزة السيد 

في خطوة لافتة أثارت اهتمام الأوساط التربوية حول العالم، أعلنت السويد، إحدى أكثر الدول تقدمًا في مجال التكنولوجيا والتعليم، إلغاء استخدام الشاشات الذكية في الفصول الدراسية، والعودة إلى الأساليب التعليمية التقليدية القائمة على الورقة والقلم والتفاعل المباشر داخل الصفوف. هذا القرار لم يأتِ من فراغ، بل استند إلى نتائج دراسات وبحوث أثبتت التأثيرات السلبية المترتبة على الاعتماد المفرط على التكنولوجيا في التعليم، خاصة في المراحل الأساسية.

وقالت وزيرة المدارس السويدية لوتا إدهولم أن الحكومة السويدية تخطط للعودة إلى الورقة والقلم والكتاب الورقي ، كأسلوب أساسي ومستدام في التعليم، والتخلي عن فكرة رقمنة أدوات التعلم كأسلوب تعلم أساسي للطلاب ،  ووفقاً للوزيرة السويدية سوف تستمر الرقمنة في التعليم كأسلوب مساعد مهم بجانب طرق التعليم التقليدية الورقة والقلم والكتاب.

والسبب في هذا القرار السويدي المفاجئ هو أن الاختبارات الدولية أظهرت أن الطلاب السويديين في سن العاشرة أصبحوا أسوأ في القراءة والكتابة ، بعد أن كانوا يحتلون المرتبة الأولى في العالم سنة 2001، وهو الوقت الذي كان فيه التعليم في السويد يعتمد على القلم والورقة كاملاً

التكنولوجيا التعليمية: سلاح ذو حدين

شهد العقد الأخير ثورة رقمية في أساليب التعليم، حيث تم إدخال الشاشات التفاعلية والأجهزة اللوحية والتطبيقات الذكية في الفصول الدراسية بهدف تسهيل العملية التعليمية وجذب انتباه الطلاب. لكن مع مرور الوقت، بدأت تظهر مؤشرات مقلقة حول تراجع مستويات الفهم، وانخفاض التركيز، وضعف المهارات اللغوية والكتابية لدى الأطفال، لا سيما في المراحل المبكرة من التعليم.

ووفقًا لتقرير صادر عن المجلس الوطني السويدي للتعليم، فإن الأطفال الذين يعتمدون بشكل مفرط على الشاشات يعانون من صعوبات في تعلم القراءة والكتابة، إضافة إلى مشاكل في التركيز وضعف التفاعل الاجتماعي. كما أظهرت الأبحاث أن المهارات الحركية الدقيقة، مثل استخدام القلم في الكتابة، تتراجع تدريجيًا لصالح الاستخدام السهل والسريع للشاشات.

لماذا العودة إلى الورقة والقلم؟

يقول خبراء التربية أن الكتابة باليد ليست مجرد عملية تدوين، بل هي عملية عقلية معقدة تعزز من نشاط الدماغ، وتنشط الذاكرة، وتساعد على الفهم العميق وتحليل المعلومات. وقد أثبتت دراسات علمية أن الطلاب الذين يكتبون ملاحظاتهم يدويًا يتمتعون بقدرة أعلى على استرجاع المعلومات مقارنة بأولئك الذين يستخدمون الأجهزة الرقمية.

كما أن الحضور الفعلي إلى المدرسة، والتفاعل الوجاهي بين الطالب والمعلم، يلعب دورًا كبيرًا في بناء شخصية الطالب، وتنمية مهارات التواصل، والانضباط، والتفاعل الاجتماعي، وهي أمور لا توفرها بيئة التعليم الذكي القائمة على العزلة والانفراد بالشاشة.

السويد تقود التصحيح

جاء قرار السويد بعد مراجعة شاملة للسياسات التعليمية، حيث أكدت وزيرة التعليم السويدية أن استخدام التكنولوجيا لا يمكن أن يحل محل التعليم القائم على التواصل الإنساني. وصرحت بأن الأطفال يحتاجون إلى أساس قوي في مهارات القراءة والكتابة والحساب قبل التعرض المكثف للتكنولوجيا.

وتستعد السويد لإعادة توزيع الموارد على الكتب الورقية، وتكثيف التدريب للمعلمين على استخدام أساليب التعليم التقليدية الفعالة، وتحديد ساعات استخدام التكنولوجيا في المراحل العليا فقط، وفق ضوابط تربوية دقيقة.

دروس مستفادة للدول الأخرى

تجربة السويد تعيد إلى الواجهة التساؤلات الجوهرية حول مدى جدوى الاعتماد الكلي على التعليم الذكي، وضرورة الموازنة بين التقنية والإنسانية في العملية التعليمية. ولا شك أن عودة الطلاب إلى الورقة والقلم تعني عودة إلى الجذور التربوية الأصيلة، التي أثبتت عبر الأجيال قدرتها على بناء عقول مفكرة وشخصيات متوازنة.

إن إعادة النظر في السياسات التعليمية في ضوء المستجدات والتحديات الرقمية أصبحت ضرورة، لا سيما في المجتمعات التي تسعى لبناء أجيال قوية فكريًا وعاطفيًا وأخلاقيًا، بعيدًا عن العزلة الرقمية وضعف المهارات الأساسية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.