أراء وقراءات

السياسي

بقلم / الفنان أمير وهيب 

كلمة سياسي في لغتنا العربية معناها من يتدبر الشئون ، و هذا يعني ان يتدبر هو ” فعل ” و يشمل إجراء و استعداد مع الأخذ في الاعتبار نقطة هامة اسمها ” الاحتياط ” ، بمعنى أن يكون عنده احتياطي من المؤن و ايضا من الحلول البديلة.

و بذلك يكون اي شخص هو فعليا سياسي و له سياسة ، بمعنى اسلوب و طريقة في تدبير شئونه كفرد و شئون اسرته و افراد عائلته.

و لكن هذا اللقب شائع استخدامه جماهيريا و رسميا على انه رجل دولة لمن يقوم بفعل التدبير في نطاق واسع يشمل المجتمع و الدولة و في هذه الحالة هذا الشخص السياسي لابد و ان يكون على علم ب ” لغة السياسة ” لأن السياسة لغة و لها قواعد و مصطلحات و أداء حركي كفعل التمثيل ، السياسة لها إيحاءات و إيماءات.

لذلك يكون السياسي متواجد مع الناس ويخاطبهم.

اما من لا يخاطب الناس بأداء لغوي وحركي هو ليس سياسي.

لذلك تجد صفة السياسي البارع كلما زاد تمكنه من اللغة السياسية ويجيد قراءة الأحداث و قراءة الصورة وتحليلها.

السياسي البارع يحلل ويعطي الحل و لكن السياسي الفاشل يقوم بالتعليق على الأحداث والصورة ولا يعرف الحل.

السياسي يشبه المترجم ، يترجم للناس لغة لا يعلموها.

والسياسي نوع والدبلوماسي نوع اخر.

وهناك نوع من الناس يتوهم انه سياسي لمجرد أنه مهموم بقضايا الدولة  في حين انه كاتب او مفكر او ناشط سياسي.

والسياسة كلمة تقترن بقائمة طويلة من كلمات أخرى ك : سياسة عدم الانحياز ، سياسة تحديد النسل ، سياسة المعاملة بالمثل و غيره.

واندهش كثيرا عندما أقرأ مقالات واتابع برامج يكون من خلال شخص مهتم ب ” سياسة الدولة ” و يتم تعريفه على انه سياسي.

و يا لها من مفارقة ، و تشبه الي حد التطابق من يسمع اغاني و يقوم بتعريف نفسه على انه موسيقار او من يتابع مباريات كرة قدم بمنتهى الحماس و يتوهم انه رياضي.

عزيزي القارئ ، اي لقب وظيفي هو بالضرورة يستند على ” فعل ممارسة ” ، و افضل دليل ، بعض الكليات ، و بعد انتهاء الدراسة ، و منها كلية الحقوق و الطب ، لا تسمح بالتعامل مع الخريجين على انهم مؤهلين للمارسة المهنة الا بعد تدريب عملي لمدة سنتين.

اذن دعنا نتفق أن سياسي لابد و ان يكون على علم بلغة السياسة و مارس فعلا تدابير شئون مجتمعه و ما يحتاجه فعليا و قام بتلبية طلبات مجتمعه و شعبه الي الحد الذي يرضيهم لذلك يكون سياسي.

و هنا يظهر الفرق بين سياسي و اخر ، بين من يتكلم فقط و بين من يفعل حقا.

الملاحظة المؤكدة الأخرى في مجتمعنا هو انطباع خاطئ عن السياسي تسبب فيه صورة سلبية اذاعتها و اشاعتها مسلسلات و افلام سينمائية.

السياسي نوعان ، نوع في صف حكومة الدولة و نوع في صف معارضة سلبيات حكومة الدولة و كلاهما شخصية إيجابية تسعى لمصلحة الدولة.

و ما يعنيني في هذا الشأن كوني أحمل لقب فنان هو أن الفن و السياسة وجهان لعملة واحدة.

و قرأت كثيرا مقالات تنتقد فيها استغلال الفن في السياسة و يطالب بأن ينأى الفن عن السياسة.

اي عمل فني ، من ضمن مكوناته نسبة من السياسة ، مثل اي منتج صناعي ، الملابس مثلا ، ممكن أن تكون ١٠٠% قطن ، أو نسب مختلفة لأكثر من خامة.

و توجد أعمال فنية بنسبة ١٠٠% سياسة و القائمة طويلة.

و معظم الافلام الأمريكية السينمائية هي تسويق لسياسة امريكا من قوة و تكنولوجيا و استعراض اختراعات و غيره.

جودة العمل الفني في كيفية مزج الفن بالسياسة و السياسة بالفن.

والسياسة ايضا تدخل في صناعة الرياضة.شاهدت من بضعة أيام الرئيس الفرنسي يقف وسط حشد من ٢٠٠ الف فرنسي يتكلم بمنتهى الفخر والاعتزاز و وطنية بوصول شعلة الأولمبياد مدينة مرسيليا.

في ممارسة عملية لسياسي بارع يخلط السياسة بالرياضة و براعته تكمن في رده على سؤال متعلق بالحرب في غزة و قال أن فلسطين و اسرائيل موجودة في الأولمبياد و انه يبذل قصارى جهده لحل الأزمة.

سياسي يعني مصلحة بلدك هي أول و آخر مصالحك.

و كل دولة داخلها حزب خفي اسمه حزب ” المنتقمين ” هم غير خونة و غير وطنيين و لكن مصلحتهم تتفوق على مصلحة الدولة و لا يقبل تضحية من اي نوع و من اي درجة مهما كانت بسيطة ، حزب المنتقمين في الدول العظمى عند نقطة معينة لا يسعى لتخريب بلده و لكن في الدول النامية ، كما يحدث في مصر ، حزب المنتقمين يحققون مكاسب مالية أعلى من ما تحققه الدولة ، لأن الدولة ليس لديها سياسيين بارعين يمكن أن يتصدوا للمنتقمين و أشهر مثال سيطرة التجار على السلع و اسعارها و الحكومة تلهث ورائهم غير قادرة على ملاحقتهم.

اما من يهتم بمصالح غيره في دولة اخرى هو ليس سياسي و لكنه فاعل خير.

مصر لن تتقدم و تنهض الا عن طريق الفعل و ليس القول.

هناك أندية تشتهر بأنها أندية قوية ، لماذا ؟ لأن رئيسها ذكي اختار مدير فني كفاءة و مدير فني اختار لاعبين موهوبين أقوياء.

مصر حاليا بلا سياسيين ، و صورة سامح شكري وزير الخارجية مع إسبن بارث إيدي، وزير خارجية النرويج هو دليل على فالجلسة تظهر الذل والخنوع في حين أن الوزير النرويجي يجلس بمنتهى الاستعلاء كما لو كان يجلس مع احد موظفيها.

سيادة رئيس مصر المحترم انت في حاجة لسياسيين يجيدون التفاوض ويعرفون قيمة مصر مهد الحضارة وصانعة التاريخ .

السياسي 4

أمير وهيب 

كاتب وفنان تشكيلي 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.